سلسلة حلقات توثيقية حول حياة الإمام الراحل / الصادق المهدي تحت عنوان (الرجل اللي خلف الإمام ) .. بشرى الصادق في أول بوح له للإعلام الحلقة (5) تتابعون فيها أسرار دقيقة حول اختيار أمام الأنصار منذ العهد الاول وكيف آلت إلى الصادق المهدي ، وهل نازع فيها أعمامه وكيف تآمر السيد احمد المهدي بالتعاون مع الأنظمة الديكتاتورية ضد الامام الهادي ثم الصادق المهدي ، وكيف شق مبارك الفاضل صف حزب الأمة بالتعاون مع ” الإنقاذ “
وصية الإمام الصديق المهدي بانتخاب الإمام عبر شورى الأنصار، وتكوين اللجنة الخماسية لاختيار الإمام.

الامتدادات الاجتماعية لأسرة المهدي وتبايناتها، ودور الإمام المهدي في ربط القبائل السودانية عبر المصاهرة والنسب.

نشأة حزب الأمة عام 1945 كتحالف قبلي وإداري، عقب انقسام مؤتمر الخريجين.

خلفاء الإمام المهدي: الخليفة عبدالله التعايشي، الخليفة علي الحلو، والخليفة محمد شريف، وتمثيلهم الجغرافي والقبلي.
التحديات بعد وفاة الإمام المهدي، والصراعات حول الخلافة.

إعادة إحياء الإمامة على يد الإمام عبدالرحمن المهدي، بعد معارك كرري وأم دبيكرات.
وصية الإمام الصديق المهدي بانتخاب الإمام عبر شورى الأنصار، وتكوين اللجنة الخماسية لاختيار الإمام.
تفاصيل بيعة الإمام الهادي عام 1962، ودور الإمام الصادق المهدي حينها.
علاقة الصادق المهدي بالإمام الهادي وموقفه من ضرب الجزيرة أبا عام 1970.
تواطؤ أحمد المهدي مع نظام مايو، وبيعة الصادق المهدي في مؤتمر السقاي 2002 رداً على محاولة الإنقاذ تفريغ الحزب والأنصار من قيادتهم.

تفاصيل الصدام مع نظام الإنقاذ بعد عودة المهدي من الخارج، ورفضه العروض بالمناصب.
حوار ـ ترياق نيوز : عبدالباقي جبارة

في هذه الحلقة الخامسة من سلسلة حوارات (ترياق نيوز) تحت عنوان (الرجل اللي خلف الإمام) مع الحبيب بشرى الصادق المهدي حول أسرار وخفايا ومواقف في حياة الإمام الحقاني / الصادق المهدي عليه رحمة الله، تجدون في هذه الحلقة فلسفة الإمام محمد أحمد المهدي في جمع أهل السودان تحت راية المهدية وإزالة الفوارق القبلية والجهوية، وتمثل ذلك في اختيار خلفائه وكذلك التداخل عبر المصاهرة والنسب.
كما تتناول الحلقة التباينات التي حدثت داخل المكون الواحد، سواء داخل البيت المهدوي أو بيت الأنصار عموماً، أو داخل حزب الأمة، بل حتى على نطاق الأسرة نفسها. ونتعرف كذلك على كيف تم بعث الإمامة من جديد في عهد الإمام عبد الرحمن المهدي بعد انكسار راية المهدية في عهد الإنجليز، وكيف آلت الإمامة إلى الإمام الصديق، وما هي وصية الإمام الصديق ودور ابنه الصادق في تنفيذها والتمسك بها.
وهل نازع الإمام الصادق عمه الإمام الهادي في الإمامة؟ وكيف تآمر السيد أحمد المهدي وتواطأ مع الرئيس جعفر نميري، ثم تآمر مع الإنقاذ لاحقاً لإزاحة الصادق المهدي من المشهد الأنصاري والسياسي بمعاونة مبارك الفاضل؟ ولماذا رفض الصادق المهدي مغريات الإنقاذ؟ وما هي تفاصيل مؤتمر السقاي الذي انتُخب فيه الصادق المهدي إمامًا للأنصار؟ كل هذه المحاور وغيرها تجدونها في هذه الحلقة، فلنتابع:
يتواصل الحوار مع السيد بشرى الصادق المهدي في هذه الحلقة، حيث قال: كما تحدثنا في الحلقة السابقة حول المحاور الاجتماعية في أسرة المهدي، فبقدر ما هنالك امتدادات كثيرة جدًا لأسرة المهدي في المجتمع السوداني، أيضًا هنالك تباينات كثيرة. فهي أسرة كبيرة ومتشعبة جدًا، ولديها تداخلات مع بيوت وقبائل السودان المختلفة. وكما ذكرت، فإن الإمام المهدي أكد من خلال تداخلاته المجتمعية هذه أنه يريد أن يربط القبائل عبر المصاهرة والنسب، وبالفعل أصبحت أسرة المهدي تمثل السودان بصورة كبيرة.
لذلك، فإن أسرة آل المهدي، إذا ذكرنا الأسر والقبائل التي لها علاقة بها، فسيكون أمرًا مثيرًا للدهشة، لأن كل قبائل السودان ممثلة في هذه الأسرة، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وشرقًا وغربًا. بالمقابل، هنالك تباينات كثيرة وسط هذه الأسرة. ولذلك، فإن حزب الأمة هو عبارة عن تحالفات قبائل وإدارات أهلية وغير ذلك، وقد تكوَّن سنة 1945م، عندما انقسم مؤتمر الخريجين إلى جزئين أثنين : قسم وحدوي يدعو للوحدة مع جمهورية مصر العربية وهم الاتحاديين ، وجزء آخر تبنّى شعار “السودان للسودانيين” ليصبح مستقلًا.
الإمام المهدي كان له خلفاء، والخليفة الأول هو الخليفة عبد الله بن محمد ود تورشين، والخليفة الثاني هو علي الحلو. أما كلمة “التعايشي”، فكان يستخدمها الإنجليز، لكن الخليفة عبد الله جذوره من الجزيرة العربية، وهاجروا أهله إلى السودان واستقروا في دار التعايشة، وأرادوا بهذه التسمية الإيحاء بأنه مسؤول عن قبيلة محددة حتى لا يصبح قائدًا قوميًّا أو قائدًا لكل السودان، ولكن في الحقيقة هو قائد لكل السودان، وقد حكم السودان ثلاثة عشر عامًا في عهد المهدية.
ذلك لأن الإمام المهدي توفي بعد ستة شهور فقط من تحرير الخرطوم في السادس والعشرين من يناير 1885م، وتوفي الإمام المهدي في يونيو من نفس العام. وخلفاء المهدي هم: الخليفة عبد الله، والخليفة علي الحلو من وسط السودان – قبيلة دغيم -، والخليفة محمد شريف من الأشراف – شمال السودان. وبالطبع، أمراء المهدية موزعون على أجزاء السودان المختلفة، وهذه فكرة عبقرية لأن المهدي حرص على أن يجمع تشكيل السودان كله في قيادة الثورة المهدية، وهي بالتأكيد ثورة سودانية تمثل كل السودان.
وبالتأكيد كانت هناك خلافات بين هذه المكونات المتعددة، لأن السلطة والمال دائمًا فتنة. فإذا نظرنا للسلف الأول، نجد أنه بمجرد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقعت خلافات حول الخلافة، وهذه عبرة بأن الصراع على السلطة موجود على مر العصور. والشاهد في الأمر، عندما خلف الإمام المهدي الخليفة عبد الله، كان هناك من اعتقد أن الخليفة شريف أحق منه، لأن الخليفة محمد شريف له صلة قرابة بالإمام المهدي، رغم أن الإمام المهدي سمّى الخليفة عبد الله في حياته.
وكان الإمام يقول إن زمنه مندرج في عهد خليفة رسول الله، بمعنى أن الخليفة عبد الله هو خليفة أبي بكر الصديق، وعلي الحلو خليفة عمر الفاروق، والخليفة محمد شريف هو خليفة علي الكرار. وكان الإمام يود تسمية عثمان دقنة خليفة عثمان بن عفان، ولكن شاءت الأقدار ألا تتم تسميته، وأيضًا كان يود تسمية السنوسي في ليبيا خليفة لأنه كان لديه تواصل معه، لأن فكرة المهدية كانت جمع العالم الإسلامي كله تحت راية “لا إله إلا الله” وتوحيد أهل القبلة كلهم.
ولذات السبب، حاولوا غزو مصر، مما أدى إلى وأد الدولة بتكالب كل الأعداء، كما هو معلوم في معركة كرري الشهيرة. أما المقارنة بين ما حصل في المهدية وما حصل في عهد نظام الإنقاذ، عندما حاولوا تغيير أنظمة الحكم في دول الجوار، فالأولى دعوة حق، وما حصل في عهد الإنقاذ دعوة باطل، لأن دعوة المهدية كانت لإعلاء كلمة الله وتحرير العالم من الهيمنة التي وقعت عليه، مثل الاحتلال الأجنبي والتركي، وكانت دعوة فيها زهد وتجرد.
ويُعتقد أن الإمام المهدي شعر بخيبة أمل رغم الانتصار العسكري المتفوق جدًا، حيث، رغم تحرير كل السودان، شعر بأن الناس من حوله لم يفهموا الرسالة بطريقة صحيحة. وهنالك رواية تقول إن الإمام المهدي، بعد أن صلى آخر جمعة قبل وفاته، زار بعض المواقع، فوجد بعض أنصاره سكنوا في مساكن الذين ظلموا، وشعر بأنهم مالوا عن الزهد، لذلك شعر بخيبة الأمل، وتلا الآيات التي تعبر عن هذه المعاني، ووقع مغشيًا عليه في الصلاة.
لأنه كان زاهدًا جدًا ومتجردًا، وشيخه الشيخ محمد شريف، وهو تلميذه، وهو شاعر قال عنه: (كم صام وكم قام، كم صلى وكم تلا، والله ما زالت مدامعه تجري، وكم بالليل كبر للضحى، وختم القرآن في سنة الوتر)، فهو الزاهد العابد المتجرد من كل شيء.
وهذا ظاهر في راتب الإمام المهدي، وهو دستور المهدية، تجد فيه تجردًا شديدًا، وهو يفصل بيننا كعباد وبين رب العالمين، ويعرض العلاقة مع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وهو وسيلتنا، وبيننا كإخوة في الله، وعلاقتنا بالقرآن نفسه. فهو دستور كامل للتعامل.
إعادة الإمامة في عهد الإمام عبدالرحمن المهدي:
نحن تحدثنا عن خلافة الإمامة منذ عهد الخليفة عبدالله، والخلاف الذي وقع بسببها، بل هنالك ثورة اسمها ثورة الأشراف، والتي انضم إليها نفر من آل المهدي، وهذا السبب الذي جعل خليفة المهدي مال إلى أقربائه حفظًا للدولة وسدًا للثغرات.
وبعد أن حصل الانكسار في كرري وأم دبيكرات، انهارت الدولة، لكن ظلت الدعوة موجودة وحية في صدور الرجال والنساء.
أعاد الإمامة الإمام عبدالرحمن المهدي، وهو من أنشأ المهدية الثانية، وذلك بعد استشهاد كل الخلفاء وأمراء المهدية، وآخرهم سقط في أم دبيكرات، والخليفة محمد شريف والفاضل البشرى، هؤلاء استشهدوا في الشكابة، والإمام عبدالرحمن نفسه تم ضربه في بطنه، وحينها كان طفلًا صغيرًا، وتركوه لأنهم اعتقدوا بأنه سينزف ويموت.
وبقية أولاد المهدي كلهم تم اعتقالهم مثل الطاهر والطيب، وجميع أولاد المهدي تم حبسهم في سجن يسمى “رشيد” في صعيد مصر، وجميعهم ماتوا بالسل، لأنه كانت هنالك مجاعة، ومنهم من تزوّج مثل بشرى والفاضل، وأيضًا السيد علي.
هؤلاء أبناء الإمام المهدي مباشرة. أما بنات المهدي وكل العوائل فذهبوا إلى الشكابة مع الخليفة شريف، حيث قُتل جميع أبناء المهدي، ولم يتبقَ إلا عبدالرحمن وعلي.
وعبدالرحمن هو من رفع الراية وأصبح إمام الأنصار، حيث تعاون معه مجموعة من أبناء الخلفاء، منهم الخليفة يعقوب، والسيد محمد بن الخليفة شريف، ومن ضمنهم السيد الصديق ابنه، والسيد الصديق كان شريكه ومعه في النضال، ولذلك أوصى الإمام عبدالرحمن بالخلافة لابنه الصديق.
وبالفعل، بعد انتقال الإمام عبدالرحمن، أصبح ابنه الصديق إمام الأنصار، وكذلك حيث تم انتخابه رئيسا لحزب الأمة والأمين التوم أمينا عاما ومحمد أحمد المحجوب سكرتير الحزب ، وذلك في العام 1949م، وبالتالي أصبح الصديق رئيس الأمة وإمام الأنصار. ومن المعلوم بأن حزب الأمة القومي تأسس العام 1945م.
والإمام الصديق أوصى، وهو في فراش الموت، ابنه الأكبر الإمام الصادق، ومن ضمن الوصية أن الأنصار يختارون الإمام بالانتخاب، وكون لجنة خماسية، أي من خمسة أعضاء، ورئيس اللجنة السيد عبدالله الفاضل، وعضوية اللجنة: السيد الهادي، والسيد يحيى، والسيد أحمد، والسيد الصادق.
وبالطبع، هؤلاء كلهم أعمام، ما عدا الصادق، فهو الابن الوحيد. وعندما انتقل الإمام الصديق، دعا السيد عبدالله الفاضل اللجنة قبل أن يُقبر الجثمان، وقال لهم: “نحن عندنا، أو العرف السائد في السودان، أن الخليفة هو من يصلي على الإمام، ولذلك نحن من بيننا نختار الإمام”.
وبالطبع، هذا الكلام مخالف لوصية الإمام الصديق، الذي قال بأن الإمام لا يكون إلا بالانتخاب، أي أن الأنصار بإجماعهم هم من يختارون إمامهم، وهذه سنة قد استنّها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، لأن الخليفة عمر، بعد طعنه وهو في فراش الموت، ناشدوه أن يسمي خليفة، فرفض، وقال لهم: “لن أتحمل وزركم حيًا وميتًا، إن فعلتها، فقد فعلها من هو خير مني، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وإن تركتها، فقد تركها من هو خير مني، وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام”، لكنه كوّن لجنة فيها الزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وقال عبدالرحمن بن عوف بأنه زاهد في الخلافة، ولذلك سيكون محكّمًا، وهذه هي السنة.
وعندما دعا السيد عبدالله الفاضل اللجنة للاجتماع، قال لهم: “لا بد من اختيار الإمام قبل أن نقبر الجثمان، وأنا لا أرغب في الخلافة، وأنتم يا يحيى وأحمد لا يمكن أن تطلعوا للخلافة وأخوكم الكبير موجود، إذن المنافسة بين الهادي والصادق”.
فقال لهم الحبيب الصادق: “نحن بذلك، يا أعمامي، نكون قد خالفنا وصية الإمام، لأننا لم نشاور الأنصار، وأنا لا أود مخالفتكم، لكن لدي طلبان:
الأول، لا بد من الإعلان بأننا خالفنا الوصية باتفاقنا، وبالمبررات المطروحة، ولا بد أن يكون من الآن وصاعدًا اختيار الإمام بشورى الأنصار؛
والطلب الثاني، أن الخط السياسي لحزب الأمة لا يتغير، حيث كان الخط السياسي في مواجهة لنظام عبود الدكتاتوري”.
وتمت الموافقة على هذه الشروط من قبل اللجنة، فقال الصادق: “ما دام وافقتم على هذين الشرطين، فأنا أفضل أن أنقاد لعمي بدل أن أقوده”.
ومن هنا كانت إمامة الإمام الهادي.
وبينما كان الإمام الصديق يُقبر، تم نصب مايكروفون، وتم الإعلان عن الوصية، ومن ثم بويع الإمام الهادي إمامًا للأنصار، وكان ذلك عام 1962م.
الإمام الهادي ظل في الإمامة حتى استشهاده في العام 1970م، في أحداث الجزيرة أبا المعروفة.
الحبيب الصادق المهدي ظل هو المسؤول من الأنصار طيلة هذه الفترة، وحتى في حياة الإمام الهادي كان يوكل له المهام، رغم وجود تباين، ليس بين الإمام الهادي والحبيب الصادق، ولكن بين السيد المحجوب والبرلمان، حيث كان المحجوب رئيس الوزراء، وكانت هناك مساءلات من قبل البرلمان، أي برلمان حزب الأمة، في مواضيع تتعلق بالحكم، فقال المحجوب: “أنا ما مسؤول أمام البرلمان، أنا مسؤول أمام الإمام”.
كانت هناك صحيفة اسمها “التمييز”، وهذه الصحيفة تُبيّن العلاقة بين الحزب والأنصار.
وكان الإمام مسميًا نفسه “راعي حزب الأمة”، لكنه لا يتدخل في أي قرار.
ومن المعلوم لقد تم انتخاب الحبيب الصادق المهدي رئيسًا لحزب الأمة وعبدالله عبدالرحمن نقد الله أمينا عاما في العام 1964م.
الشاهد في الأمر، أنه أصبح هناك صدام في الرأي بين المحجوب والحبيب الصادق المهدي، والحاصل أن المحجوب كان يريد الاحتماء بالإمام.
ولم يكن هناك أي تنازع بين الإمام الهادي وابن أخيه الحبيب الصادق، رغم أن هناك من يرى أن السيد الصادق هو الأحق بالإمامة، لكن الإمام تمت مبايعته، ومن ضمن المبايعين له السيد الصادق المهدي نفسه .
أما السيد أحمد المهدي، فلم يكن واردًا أصلاً في موضوع الإمامة، أو بالأحرى كان بعيدًا عن المشهد كليًا.
والنقطة الثانية، في كل المواجهات ضد الأنصار، كان يقف مع الطرف الآخر.
مثال على ذلك: في عهد حكومة مايو، كان السيد أحمد المهدي مندوب الرئيس جعفر نميري ليتفاوض مع الإمام الهادي في الجزيرة أبا.
وعندما ذهب السيد أحمد إلى الجزيرة أبا، اختلى بالإمام الهادي في غرفة وحدهما ليبلغه رسالة جعفر نميري.
فقام الإمام الهادي بإخراجه أمام الأنصار، وقال له: “هؤلاء الناس سيموتون معي، فقل رسالتك التي بعثت بها أمامهم”،
فقال الإمام أحمد إن الرسالة خاصة، ولم يستطع أن يعلن ما جاء به .
ومن ثم، خرج السيد أحمد خارج السودان، وحينها كان السيد الصادق معتقلًا، ثم تم ضرب الجزيرة أبا.
والحبيب الصادق المهدي، من داخل المعتقل، كان يراسل الإمام الهادي، ومن ضمن الخطابات، الخطاب الأخير، الذي قال فيه:
“هذا النظام لا ينبغي أن نصادمه قبل أن نستعد له، وهو نظام ظالم، ويجب أن نختار الزمان والمكان المناسبين”.
وكان حلقة الوصل بين الإمام الهادي والسيد الصادق هو السيد صلاح عبدالسلام، لأنه كان في الجيش، وكانت له علاقة بنميري،
وبذل جهدًا كبيرًا لنزع فتيل الأزمة.
حتى عندما قُتل الإمام الهادي، وُجد في جيبه أوراق، من ضمنها الخطاب الذي بعث به إليه السيد الصادق من المعتقل.
الهدف من إنكار وفاة الإمام الهادي:
مسألة إنكار وفاة الإمام الهادي، هي مسألة فيها نوع من الخرافة.
ما حصل أن الإمام الهادي ومن معه، ومن بينهم خواله وابنه الفاضل، خرجوا يستقلّون شاحنة (لوري)، ووصلوا إلى “القلابات” في طريقهم إلى إثيوبيا،
فجلسوا في إحدى المقاهي بمنطقة الكرمك، حيث اعترضتهم قوة من البوليس لأن أشكالهم كانت غريبة على المنطقة، واعتقدوا أنهم تجار سلاح.
وعندما بدأوا استجوابهم، كان الإمام الهادي يحمل سلاحًا شخصيًا (مسدسًا)، حاول إخراجه، فأحد العساكر ضربه في فخذه.
في تلك اللحظة، قال له خاله: “هذا الإمام الهادي، كيف تضربه؟”،
ولحظتها كان ينزف، ومن ثم حصل ارتباك كبير جدًّا للعساكر، لأنهم لم يكونوا يعرفون هويته.
بعد ذلك، يُقال إنهم أرسلوا تلغرافًا إلى العاصمة الخرطوم، وهناك معلومة تقول إنهم تلقوا تعليمات بأن يتخلصوا منهم فورًا، أي تتم تصفيتهم.
فتم دفنهم في نفس المنطقة، وبعد ذلك وبالحيثيات، تم تشكيل لجان تحقيق أثناء رئاسة السيد الصادق المهدي لمجلس الوزراء،
فذهبت وفود، وتم الحفر، ووجدوا الجثمان، وتم إحضاره، حيث نُقل رفاته من تلك المنطقة إلى بيت المهدي (القُبّة).
لكن، لا يزال هناك من يردد مقولة أن الإمام حيّ.
وأنا أعتقد أن هناك نوعين من الذين يرددون هذه المقولة:
النوع الأول: لديه مصلحة من هذا الحديث، ومن ضمنهم ولي الدين الهادي، ابن الإمام نفسه،
رغم أن أسرة الإمام الهادي هي أول من اعترفت بوفاته، وهم من استخرجوا شهادة الوفاة لأجل الورثة.
لكن بعد ذلك، بدأ السيد ولي الدين يردد أن الإمام حي، والهدف من ذلك المصلحة.
وهناك أناس بلغ بهم الأمر أن أصبحوا يقولون: “جهزوا له حصانًا أبيض”، وهذا مجرد لعب بالعقول.
وهناك من يعتقد صادقًا أن الإمام الهادي حي، وبالنسبة لهم هذه عقيدة.
وهذا اعتقاد سقيم، ولا دائم في هذه الدنيا.
مبايعة الصادق المهدي إمامًا للأنصار:
بعد انتقال الإمام الهادي أو مقتله في الكرمك، أصبح الحبيب الصادق المهدي المسؤول عن تصريف شؤون الأنصار.
أما السيد أحمد، فلم يكن اسمه واردًا في موضوع الإمامة، إلا من باب المشاكسات، وهو أصلاً كان مشغولًا بأمور لا علاقة لها بالأنصار.
ويُذكر أن السيد أحمد المهدي بايع الرئيس جعفر نميري كإمام لكل المسلمين.
وعندما حكم نميري بالإعدام على أنصار الحبيب الصادق، قال السيد أحمد المهدي له: “اضرب على الخونة بيد من حديد”، وكان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1983م، أعلن نميري “قوانين سبتمبر” تحت لافتة تطبيق الشريعة الإسلامية،
فقال الحبيب الصادق المهدي: “كل ذلك الإسلام منه براء”، وكذلك قالها آخرون، منهم محمود محمد طه.
وقد قال الحبيب الصادق المهدي هذا الكلام في خطبة العيد، وتم اعتقاله بسببه.
ثم حدثت مشكلة بين نميري والشيوعيين، وحاول نميري أن يستنجد ببعض النخب.
أما محمود محمد طه، فقد كرر نفس الكلام، فوجدوه ذريعة تم إعدامه بموجبها.
ونميري أُرسل مندوب إلى الصادق المهدي في السجن، وقال له: “أعطني كلامك الذي قلته مكتوبًا”،
فقال له الصادق المهدي: “كلامي قلته وخلاص”.
وكان هذا الشخص هو نسيب آل المهدي الدكتور شريف التهامي، له الرحمة، وهو متزوج من فاطمة عبدالرحمن المهدي،
وكان هو مندوب نميري، وكانوا يريدون أن يمسكوا على الحبيب مستندًا تتم به محاكمته.
وبالتأكيد، هذه التصرفات أثّرت في العلاقات الأسرية، وخاصة بسبب وقوفه مع النظام المايوي.
وكان الحبيب الصادق، في كل هذا الوقت، مسؤولًا عن شؤون الأنصار، وكان يُطلب منه أن يبايعوه،
لكنه كان يرفض، لأنه كان يريد تنفيذ وصية الإمام الصديق:
أن الإمام يتم انتخابه بشورى الأنصار.
وقد حدثت اجتماعات كثيرة جدًّا في الجزيرة أبا وفي الأبيض، حيث اجتمع الأنصار وبلغوه بأنهم يريدون مبايعته، لكنه كان يرفض،
حتى أطلقوا عليه لقب “صاحب العهد” مع أنصار الله.
تآمر الإنقاذ مع مبارك الفاضل لإزاحة الصادق المهدي من المشهد عام 2002م:
حكومة الإنقاذ بعد حضور الحبيب الصادق المهدي في “نداء الوطن” 2001م، حيث أن الصادق المهدي خرج من السودان في عملية “تهتدون” 1996م وعاد في عملية “تفلحون” 2001م.
وكانت الفكرة هي أن يخوض حزب الأمة حوارًا مع المؤتمر الوطني لإيجاد مخرج للسودان، وكانت اللجنة التي تفاوض المؤتمر الوطني يرأسها السيد مبارك الفاضل ومعه مجموعة من قيادات الحزب.
قدّم المؤتمر الوطني عرضًا لمشاركة حزب الأمة في حكومة الإنقاذ، والعرض شمل وزارات ومناصب كبيرة.
مبارك الفاضل اعتبر العرض مغريًا وضرورة قبوله، لكن الصادق المهدي رأى أن التعاون يجب أن يكون في قضايا قضايا قومية يجب عدم مقاطعتها وهي الحكم ، الدستور والسلام وليس المشاركة في المناصب أو اقتسام السلطة.
وتم عرض هذا الرأي من قبل الصادق المهدي على مؤسسات الحزب، حيث كان الصادق المهدي رئيس الحزب، ورئيس الاجتماع الذي سيقدم فيه العرض،
وكان رأي الصادق المهدي أن يتم التعاون في الملفات القومية، مثل السلام و الدستور، ولكن بدون المشاركة في السلطة التنفيذية.
رأي السيد مبارك الفاضل كان مع المشاركة في الحكومة، وطلب من الصادق المهدي أن لا يصرح برؤيته الرافضة للمشاركة في الاجتماع حتى لا يتأثر بها أعضاء الحزب.
فقبل الصادق المهدي بذلك، وتم اجتماع للمكتب السياسي استمر ثلاثة أيام وليالي، وفي نهاية الاجتماع، قدّم الصادق المهدي خلاصة المداولات، والتي كانت تقضي بعدم المشاركة مع المؤتمر الوطني، ولكن تظل اللجنة تواصل جهودها مع المؤتمر الوطني للتعاون في الملفات القومية.
اعترض السيد مبارك الفاضل على ذلك وقال للسيد الصادق المهدي: “أنت قلت رأيك”، وكان هناك اختلاف بينهم، فخرج من الاجتماع ومعه مجموعة من القيادات مثل الزهاوي إبراهيم مالك وبابكر دقنة وأحمد بابكر نهار ونجيب الخير وآخرين.
ثم أصبح مبارك الفاضل مساعدًا لرئيس الجمهورية عمر البشير.
قررت الإنقاذ قطع الطريق على الصادق المهدي، حيث قررت دعم مبارك الفاضل ليكون رئيسًا لحزب الأمة القومي، وأتت ب أحمد المهدي إمامًا للأنصار، ليصبح الصادق المهدي بلا أي دور وسط الأنصار أو الحزب.
وهذا الأمر استفز الأنصار، ولذلك قاموا بالتعبئة، وعقدوا مؤتمر السقاي في العام 2002م ردًا على تصرفات الإنقاذ بالتعاون مع مبارك الفاضل والسيد أحمد المهدي.
في هذا المؤتمر، كان الجند الأول هو مبايعة الإمام الصادق المهدي، رغم تحفظه الشديد.
وكان من أكثر الأشخاص تشددًا في هذا الأمر صلاح عبدالسلام خليفة المهدي عليه الرحمة، وعلي العمدة، والدكتور عمر نورالدائم عليه الرحمة.
وأصبح الصادق المهدي لا يجد حلًا إلا وأن تتم البيعة، ولذلك استجاب الحبيب الصادق المهدي تحت هذا الضغط وقال:
“لو رفضت أكثر من ذلك، كأني بتخلى عنكم”،
وإذا كان ساعيًا للأمامة، كان ينافس الإمام الهادي منذ عهد اللجنة الخماسية، لكن تمت المبايعة في مؤتمر السقاي في عام 2002م ومن المعلوم بأن هيئة شئون الأنصار كونها السيد الصادق المهدي العام 1979م قبل أن يكون أمام ..
أما الحديث عن أحقية الإمام أحمد المهدي، فقد تمّت له خمسة أو ستة مبايعات من بعض المجموعات، لكن ليس من قبل الأنصار، بل بعض من أفراد الأسرة وآخرين،
لكن بالتأكيد لم تكن لديه بيعة من الأنصار.
لكن الحبيب الصادق المهدي نفذ وصية الإمام الصديق، حيث تم انتخابه في مؤتمر السقاي عام 2002م.
وحتى في حديثه عن الإمامة، يرى أن الإمام يمكن أن يُعزل إذا خالف شروط الإمامة.













