( ترياق نيوز ) تورد سلسلة حلقات توثيقية حول حياة الإمام الراحل / الصادق المهدي تحت عنوان (الرجل اللي خلف الإمام ) بشرى الصادق في أول بوح له للإعلام ..( الحلقة السادسة ) تتابعون خلالها ..لماذا أستمر الامام الصادق المهدي في رئاسة الحزب حتى مماته ، ومن عطل التأسيس الرابع ؟ رؤيته في ثورة ١٩ ديسمبر ورؤيته للفترة الانتقالية ؟ وكيف كان ينظر للدعم السريع وعلاقة حميدتي بحزب الأمة .. المرأة في حياة الإمام .. ولماذا اعتذر له الصحفي محمد طه محمد احمد .. وحسين خوجلي ود الأنصار ضل طريقه للإسلاميين .. التفاصيل الكاملة لاعتلال صحته قبل مرضه الأخير …
رؤية الصادق المهدي في ثورة ١٩ ديسمبر ورعايته لإعلان قوة اعلان الحرية والتغيير ومقترحه الذي قوبل بالرفض وندم عليه الجميع

الحلقة السادسة :
لماذا أستمر الامام الصادق المهدي له الرحمة في رئاسة حزب الأمة حتى مماته ؟
من وقف وراء تعطيل التأسيس الرابع لحزب الأمة القومي ولماذا كان يرتب الامام الصادق ؟
المرأة في نظر الامام الصادق المهدي ورؤيته الدينية لها وعلاقته بالأطفال
فلسفة الامام في تحمل الأذى وعدم رد الإساءة ولماذا اعتذر له الصحفي المرحوم محمد محمد أحمد وموقفه من حسين خوجلي .
رؤية الصادق المهدي في ثورة ١٩ ديسمبر ورعايته لإعلان قوة اعلان الحرية والتغيير ومقترحه الذي قوبل بالرفض وندم عليه الجميع
علاقة حزب الأمة بالدعم السريع وهل فكر حميدتي الانضمام لحزب الأمة ورؤية الامام لحل معضلة هذه القوات .
بداية اعتلال صحة الامام الصادق المهدي ولماذا رفض العودة للامارات ؟
حوار ـ ترياق نيوز : عبدالباقي جبارة
يواصل السيد بشرى الصادق المهدي الحديث في هذا الحوار التوثيقي، وفي هذه الحلقة السادسة يبتدر الحديث بتفسيره لاستمرار الإمام الصادق المهدي في رئاسة حزب الأمة منذ ستينيات القرن الماضي دون تغيير، وهو الأمر الذي واجه انتقادات كثيرة من داخل حزب الأمة ومن خارجه، فيقول بشرى:
تأسس حزب الأمة في العام 1945م، وطيلة فترات الحكم الدكتاتوري كان الحزب محلولًا ولم يكن موجودًا على أرض الواقع. على سبيل المثال، حكم نميري استمر ستة عشر عامًا، وحكم الإنقاذ ثلاثين سنة، وقبلها حكم عبود ست سنوات. وخلال هذه الفترة، ومنذ التأسيس، تم عقد سبعة مؤتمرات، وفي كل هذه المؤتمرات يتم اختيار الحبيب الصادق المهدي رئيسًا لحزب الأمة، وبالتأكيد كان ذلك دائمًا تلبيةً لرغبة الناس.
لكن في الفترة الأخيرة، كانت للحبيب الصادق المهدي فكرة ورغبة في الاستقالة من رئاسة حزب الأمة ليتفرغ للفكر والقضايا الإسلامية والعالمية وغيرها من الشؤون، إلا أن هذه الرغبة قوبلت بالرفض.
كان التأسيس الأول للحزب في العام 1964م، والتأسيس الثاني في 1985م، أما التأسيس الثالث فكان في العام 2009م، وقد عُقد في أرض المعسكرات بسوبا. وكان الإمام يتحدث عن التأسيس الرابع، الذي أصبح مستحقًا لحزب الأمة من أجل تجديد قيادته وضخ دماء جديدة فيه، لكن واجهته بعض المعاكسات، كما وُجد قصور مالي، خاصةً وأن المؤتمر مكلف ماليًا، إلى جانب بعض العراقيل من النظام الحاكم، ولذلك لم يتم التأسيس الرابع لكن الحبيب الصادق المهدي كتب عنه والفكرة كلها مدونة وموجودة .
مشاركة الصادق المهدي الشرائح الضعيفة في مناسباتهم مثل المرأة والطفل:
الحبيب الصادق المهدي إنسان بمعنى الكلمة: (حاسر الرأس عند كل جميل مستشف من كل شيئا جمالا هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيالا )
هكذا هو الحبيب الصادق المهدي؛ فقد كان نصيرًا للضعفاء عمومًا، ونصيرًا للمرأة خاصة، وكان لديه تصحيح مفاهيمي لكثير من الأمور المتداولة، خاصة في الفقه والدين، فيما يتعلق بالنظرة الدونية للمرأة.
الإمام الصادق المهدي لديه اجتهاد بأن كل الأحاديث المروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام في دونية المرأة غير صحيحة، مثل الحديث القائل: (المرأة ناقصة عقل ودين)، و*(ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)*، إذ يرى أن هذه الأحاديث لا سند لها، وغير صحيحة، وتتعارض مع روح النبوة السمحة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (النساء شقائق الرجال)، وقال: (خذوا نصف دينكم عن الحميراء)، وكان في كل المواقف المدلهمة يستشير النساء.
والأمثلة كثيرة في مواقف المرأة القوية في عهد النبوة، ولذلك حفاهم – عليه الصلاة والسلام – بمحبة كبيرة، وقال: (استوصوا بالنساء خيرًا)، ولهذا كان الإمام الصادق المهدي يقتدي بسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان يعتقد بأن المرأة ليست كما يصورها البعض بنظرة دونية، بل دائمًا ما يشيد بدورها ومشاركتها، ويشجعها، وكل ذلك لكي تتقدم وتقود وتكون رمزًا من رموز المجتمع.
أما الأطفال، فلأنهم شريحة مستضعفة وناشئة، فقد كان الحبيب يرعاهم بمحبة شديدة. وكان دائمًا يحمل في جيبه البلح والحلوى ليوزعها على الأطفال، ويلاطفهم ويمازحهم. كما كان يشارك هذه الشرائح في فعالياتهم، حتى إن كثيرًا من الناس كانوا يندهشون من حضوره، متسائلين: كيف وجد وقتًا لمثل هذه المشاركات؟
لقد كان مهتمًا بكل فئات المجتمع، حتى رياض الأطفال، وكان يتحدث دائمًا بأن الأمم التي تهتم بالشرائح الضعيفة، يدل ذلك على رقيّها وتقدمها.
قوة تحمّل الإمام الصادق للنقد وعدم الرد على الإساءات:
الحبيب الصادق المهدي لديه قاعدة تقول: (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم)، لأن الإنسان إذا لم يكن متقدمًا فلا أحد يستهدفه، ولذلك كلما كان الإنسان في القمة، فإن القمة تكون مستهدفة. ولهذا، فإن الإساءات التي وُجِّهت له ومحاولات اغتيال شخصيته كان ينظر إليها من زاوية إيجابية، ويعتبرها وقودًا يدفعه إلى الأمام، حيث يرى في كل أزمة فرصة. وكما كان يقول الإمام المهدي: (المزايا في طي البلايا، والمنن في طي المحن)، لذلك لن تنال الخير ما لم ينلك شر.
وكما يقول المثل السوداني: (العود ما بجيب الطيب بلا يفركوه)، وهنا “الفرك” يبين الناس، وقد يكون إساءة أو موقفًا أو أي أزمة أخرى، ولذلك لم يكن الإمام الصادق يتأثر بهذه الأشياء كثيرًا.
لكن الناس تختلف في قوة التحمل؛ فمثلًا أنا لست كالإمام في تحمّله لهذه الأمور، رغم أن الإنسان قد يتغير مع الأيام. في السابق، كنت أعتقد أن النهج الذي يتبعه الحبيب خاطئ، فمثلًا إذا رأينا شخصًا “يقل أدبه” نضربه مباشرة! وكثير من الناس لديهم هذا النهج.
شخصيًا، كنت أتألم كثيرًا ولا أستطيع الصبر على الإساءات، وعندما كنت أتحدث معه، أشعر بأنه ينظر إلى الأشياء بإيجابية.
وهناك من جاء واعتذر له، مثل المرحوم محمد طه محمد أحمد، الذي جاء إلى الإمام الصادق قبل وفاته واعتذر له عن كل الإساءات التي وجهها له، وكثيرون غيره فعلوا الشيء نفسه.
أما حسين خوجلي، أهله أنصار لكنه ذهب في إتجاه الاسلاميين ، وفي نظري هو إنسان فاهم، وفي كثير من الأحيان يأتي إلى الحبيب ويجري معه لقاءً، فهو رجل طيب جدًا، لكنه انجرف مع التيار الإسلامي. ومن المعروف أن هؤلاء الناس يعملون على تزييف الحقائق، ولديهم نهج يقول: (الضرورات تبيح المحظورات)، و*(الغاية تبرر الوسيلة)*، ودائمًا ما ينظرون إلى أنفسهم على أنهم على حق، وأن الحق يميل حيث يميلون.
ومثال على ذلك تعاملهم مع “الدعم السريع”: عندما كان معهم، كان “حامي الحمى”، والآن أصبح “الشيطان الأكبر”.
التربية وأثرها في خلق التسامح:
أعتقد أن التربية تلعب دورًا كبيرًا، وأهلنا يقولون: (الكلمة الطيبة بخور الباطن)، والأخلاق دائمًا تعود للشخص ذي الخلق الطيب، لأن التصرفات السيئة تلف وتعود إلى صاحبها.
والتربية الصحيحة هي التي تجعل الإنسان لا يسيء إلى الآخرين ويتحمّل الأذى.
وهناك كثير من الأمثلة الشعبية التي تدعو للتسامح وحسن الخلق، فمثلًا السودانيون يقولون: (الشر ضرسا وراني)، وكذلك (حلا يا اليد ولا حلا بالسنون)، وكل هذه حِكَم تشير إلى أن الإنسان يتقدّم بالخير.
ومقولة الإمام المهدي التي كان يتمسّك بها الحبيب الصادق المهدي هي: (من فشى غبينتو خرب مدينتو)، والكلام الطيب دائمًا يأتي بالإجماع.
هناك أناس كُثر يختلفون مع الحبيب في الرأي، لكنهم متفقون على أنه إنسان خلوق، عفيف اليد واللسان، ولا يؤذي أحدًا مهما كانت الإساءة موجّهة له، كما أنه يتمتع بقوة تحمّل للأذى، ويدفع الثمن غاليًا.
وبالتأكيد، هو يتألم مثل أي إنسان، لكنه يرابط ويجاهد في كل الميادين.
وأعتقد أن هذا كان قدوة لنا، وصفة إيجابية حميدة.
وبالتأكيد، عندما يغضب الإنسان فإن الغضب من الشيطان.
ولذلك، الوصية الذهبية: لا تغضب.
كما قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الخير كله في الرضا، فإن استطعت فارضَ، وإن لم تستطع فاصبر).
وبالتأكيد، لا يمكن للإنسان أن يرضى عن كل شيء، فعليه أن يصبر، فالصبر أولى.
موقف الإمام الصادق المهدي من ثورة 19 ديسمبر ورعاية إعلان قوى الحرية والتغيير:
يواصل الحبيب بشرى الحديث عن الإمام الراحل الصادق المهدي، وفي هذه الجزئية يتحدث عن رؤيته لثورة 19 ديسمبر، ورعايته للاجتماع الذي عُقد في دار حزب الأمة يوم 1 يناير 2019م، والذي خرج عنه (إعلان قوى الحرية والتغيير)، فيقول بشرى:
الحبيب كان “ماعونه” جامعًا لكل الناس، وكان يعتقد أن مشكلة السودان تحتاج إلى توافق بين جميع أبنائه، وأن يعمل الجميع من أجل هذا الهدف بصورة جادّة، ومن أبى فليتحمّل مسؤولية موقفه.
وكان يرى أن جميع أهل السودان يجب أن يُشركوا في أمر بلدهم، وهذه هي قيمة الشورى.
حتى لو كان هناك خطأ، فإن الناس سيتقبلونه إذا كانوا شركاء في القرار، لأنهم جزء منه.
أما إذا اتُّخذ القرار بشكل منفرد، فإنهم سيرفضونه حتى ولو كان صوابًا.
وكان الإمام الصادق يرى ضرورة وجود وعاء جامع.
وفكرة “الحرية والتغيير” كانت تمثل اجتماع القوى المدنية الرافضة لحكم الإنقاذ، والساعية لإقامة نظام مدني ديمقراطي.
فكل المكونات، من منظمات شبابية، وأحزاب سياسية، وشباب، ونساء… يجب أن تكون ضمن كيان واحد يشكل جبهة مدنية ضد نظام الإنقاذ.
وكان الإمام الصادق حريصًا جدًا على الحديث حول: ثم ماذا بعد؟
أي: بعد سقوط النظام، ماذا سيحدث؟ ما هو البديل؟
وكان يرى أنه يجب أن يكون هناك بديل جاهز، بالإضافة إلى برنامج محدد.
وكان يؤكد على أهمية التركيز على ثلاثة ملفات أساسية للحكومة الانتقالية:
الأمن , الاقتصاد والسلام .
وكان يحذّر من الدخول في القضايا الخلافية – مثل قضية علمانية الدولة – ويرى أن هذه القضايا تُحسم عبر برلمان منتخب، لأن الحكومة الانتقالية مؤقتة ولا ينبغي لها أن “تخوض في الوحل”.
وكان حريصًا على أن تكون هناك قيادة متفق عليها: قيادة جماعية، لجنة… المهم أن تكون هناك جهة للمساءلة.
فقد أصبح الوضع بعد الثورة فوضويًا، حيث كل يوم تُعلَن جهة مختلفة، ويُغلق الشارع، ويقوم الشباب بـ”التتريس” بدون اتفاق أو مرجعية.
وأصبح الشعب ساخطًا لأن مصالحه توقفت، والوضع أصبح ضبابيًا وغير معروف الجهة المسؤولة عنه.
لكن اقتراح القيادة الجماعية رُفض من بعض المجموعات، وبالذات من مجموعة اليسار مثل: الخطيب، وصديق يوسف، وآخرين، وكأنهم كانوا يخشون أن تؤول القيادة إلى الحبيب الصادق المهدي.
وقد قال لهم الإمام نفسه:
“إذا كنتم ترفضون مقترح القيادة خشية أن أكون أنا رئيسها، فأنا لا أرغب في ذلك… (الطواقي) اللابسها أنا لا أريد أن أزيدها! يمكن أن تكون القيادة دورية، عدا الصادق المهدي، أنا موافق، لأنني لست حريصًا على شخصي، بل حريص على وجود قيادة نرجع إليها.”
فشل مقترح القيادة الجماعية وتأثيره على الثورة:
بالتأكيد، لم تتم الموافقة على مقترح القيادة الجماعية، وتم تكوين الحكومة الانتقالية، لكنها انخرطت في ملفات خلافية. وقد استُغل هذا الوضع من قبل قوى الرِّدّة، مما أدى إلى ما آل إليه حال الثورة.
علاقة حزب الأمة بالدعم السريع ومساعي حميدتي للانضمام إليه:
بالتأكيد، لا يوجد ما يشير إلى انضمام حميدتي لحزب الأمة، لكنه كان في حوار مع الحبيب الصادق المهدي.
وقد طرح أحد الصحفيين سؤالًا على الحبيب الصادق، قائلاً:
“ما هو مآل الدعم السريع أو حميدتي؟”
فكان رأي الحبيب أن الدعم السريع حتماً ولزاماً يجب أن يُدمج في القوات المسلحة، باعتبار أن القوات المسلحة لا بد أن تكون موحدة وتحت قيادة مركزية واحدة.
كما تحدث عن مستقبل محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وقال:
“إذا رغب حميدتي في الاستمرار في الخط العسكري، فلا خيار أمامه سوى الاندراج في القوات المسلحة وفقًا لقانونها ولوائحها. أما إذا رغب في الانخراط في العمل السياسي، فعليه أن يخلع البزة العسكرية، وله خياران اثنان:
أن يُنشئ حزبًا سياسيًا
أو ينضم إلى أي حزب من الأحزاب القائمة”
ولم يكن هناك أي حديث عن انضمامه لحزب الأمة القومي.
وبالطبع، تحدث الحبيب عن حميدتي بصورة إيجابية، باعتبار أنه انحاز للثورة، ورفض تنفيذ تعليمات البشير بفض الاعتصام بالقوة، كما أشار إلى أنه تصرف بصورة وطنية في ذلك الوقت.
وقد احتوى الحبيب الصادق المهدي خلافات عدة بين حميدتي والقوات المسلحة، وكان يعمل دائمًا كبوصلة تصحيحية، حيث كان يجمع بين البرهان وحميدتي في لقاءات مباشرة، لمحاولة التهدئة والتقريب.
وكانت هذه الخلافات تطفو على السطح أحيانًا، وتظهر عبر أطراف أخرى أحيانًا، كما حدث في تصريح السيد شمس الدين الكباشي في جبال النوبة، عندما قال:
“زمان أهلنا قالوا لينا الحرامي لا عنده قبيلة ولا عنده دولة… الآن الحرامي بقى عنده قبيلة ودولة!”
(وكان هذا في عام 2019م بعد التغيير) .
ثم لاحقًا، جاء رد حميدتي في لقاء تلفزيوني، قائلًا:
“في زول كبير في الدولة، عضو مجلس السيادة، قال: نحن قبضنا أخوان الرئيس المخلوع البشير (عبدالله والعباس)، وعندما فتحنا سجن كوبر لقينا البشير موجود، لكن عبدالله والعباس ما موجودين ! فداير أقول: الزول القال الكلام دا يجب يُقبض من أذنه ويتدخل محل العباس!”
وكل هذه التصريحات تدل على وجود خلافات عميقة بين الأطراف، وكان الحبيب الصادق المهدي دائمًا يتدخل لحل هذه الخلافات بالحكمة والبصيرة.
بداية إعتلال صحة الإمام الصادق المهدي ولماذا رفض العودة للأمارات ؟
دار حديث كثير حول مرض الإمام الصادق المهدي ـ عليه الرحمة والمغفرة ـ خاصة بشأن سفره إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وافته المنية هناك.
وقد أثيرت شائعات تقول إنها مؤامرة استهدفت حياته، لأنه كان سيقف عقبة أمام مشروعات داخلية وإقليمية، وعلى وجه الخصوص موضوع التطبيع مع إسرائيل، ووجهت اتهامات ـ تلميحًا أو تصريحًا ـ لجهات داخلية وخارجية بأنها دبرت اغتياله.
في هذه الجزئية، يحدثنا الحبيب بشرى الصادق المهدي عن هذه التفاصيل، باعتباره كان ملازمًا له حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وكذلك لأنه رئيس لجنة التحقيق التي شكلها حزب الأمة القومي لمعرفة الحقائق كاملة، فيقول:
“بالنسبة لمرض الحبيب، عليه رحمة الله، فهو من الناس القلائل الذين يهتمون جدًا بصحتهم.
كان دقيقًا جدًا في مأكله، وكان معروفًا بتناوله لأشياء بسيطة جدًا مثل الوجبات الخفيفة.
فحتى وجباته اليومية كانت خفيفة: في الغالب يأكل فاكهة ويشرب اللبن (أي الحليب) بعد صلاة العصر، ثم بعد صلاة المغرب، وبعد انتهاء برنامج الرياضة يتناول شيئًا خفيفًا جدًا من المشويات.
ودائمًا يأكل كمية بسيطة جدًا، وما يأكله قد لا يُشبع طفلًا.
وكان دائمًا يقول:
“الإنسان يجب ألا يشعر بالشبع. ومتى ما شعرت بأن الأكل أصبح لذيذًا، فارفع يدك عنه.”
كان حريصًا على هذا البرنامج الغذائي، وعلى وزنه، ومداومًا على الرياضة.
نحن ـ أبناؤه ـ كنا نتابع صحته عن قرب، وخاصة أخواتي الطبيبات:
د. مريم، د. رندا، و د. طاهرة.
بالطبع، مريم انخرطت في السياسة، وانشغلت كثيرًا عن ممارسة الطب، فكانت المتابعة الطبية تتركز على رندا وطاهرة، وانضمت إليهما زوجتي د. حنين ـ وهي أيضًا طبيبة.
منذ زواجنا في العام 2017م، أصبحت هي طبيبته المشرفة، لأنها دائمًا موجودة في المنزل، وهي طبيبة متمرسة، عملت سابقًا في مستشفى السلاح الطبي، وكذلك في مستشفى علياء.”
متابعة مرض الإمام الصادق المهدي وتأجيل العلاج بسبب الالتزامات الوطنية
الشاهد في الأمر، أنه في العام 2018م، عندما كنا في لندن، أصررنا عليه بأن يقوم بإجراء بعض الفحوصات.
وقد أظهرت هذه الفحوصات بعض المؤشرات، منها تضخم في عضلة القلب وظهور تليف في جزء من الرئة.
وفي يوليو 2020م، سافرنا معه إلى الإمارات، حيث كانت هناك ندوة عن القدوة المحمدية، حضرها كل من: أنا شخصيًا، د. مريم، وزوجتي د. حنين.
وهناك، أصررنا عليه مرة أخرى لإجراء الفحوصات، وبالفعل أجراها، وكانت النتائج تُظهر أن النسب قد زادت مقارنة بفحوصات 2018، خاصة تضخم عضلة القلب وتليف الرئة.
وكانت هناك طبيبة تُدعى راحات، من الجنسية الباكستانية، طلبت إجراء فحوصات إضافية.
لكن تزامن ذلك مع ثاني أيام عيد الأضحى، فأصرّ الحبيب على العودة إلى السودان ليُعيِّد مع الناس، وقال إنه يمكن أن يعود لاحقًا لإكمال الفحوصات.
وبالفعل، رجعنا إلى السودان، وكانت هناك تغيرات ملحوظة في حالته الصحية.
وفي ذلك العيد، ألقى خطبة معروفة، طلب فيها العفو من الناس، وهو أمر لافت ومؤثر.
كان المفترض بعد العيد أن نرجع للإمارات لإجراء الفحوصات التي طلبتها الطبيبة راحات، لكن بعد العيد أعلنت الإمارات الدخول في مسار التطبيع،
وهذا الأمر رفضه الحبيب تمامًا، واعتبره موقفًا مبدئيًا لا يقبل التهاون فيه، وبالتالي أصبح لا يمكننا العودة إلى الإمارات.
بدأنا بعدها نبحث عن بدائل: إلى أين نذهب؟
كانت الخيارات المطروحة هي: العاصمة البريطانية لندن، وجمهورية مصر العربية، وغيرها من الدول.
لكن الشاهد في الأمر أن الملف الوطني كان مشتعلاً جدًا في تلك الفترة، والخلافات السياسية كانت عاصفة، وكان الحبيب لا يستطيع تجاوز هذا الموقف الوطني،
بل ظل يؤجل السفر من وقت لآخر بسبب شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الوطن، حتى أصبح غارقًا في هذا الهم.
واستمر في هذه المعمعة السياسية حتى شهر أكتوبر.
ملاحظات على تدهور صحة الإمام الصادق المهدي قبيل وفاته (أكتوبر 2020)
وعلى ما أذكر، بعد رجوعنا من الإمارات، بدأت ألاحظ أشياء على الحبيب لم تكن موجودة من قبل.
مثلًا: كنا نذهب لنلعب كرة التنس ثلاث مرات في الأسبوع، وهي أيام: الأحد، الثلاثاء، والخميس.
وكان أيضًا يلعب أحيانًا البولو، لكنه توقف عنها قبل عامين تقريبًا، رغم أنه ظل يركب الخيل.
لكن كان لديه ألم في الظهر، والطبيب نصحه بعدم ممارسة البولو لأنها لعبة مجهدة.
ومع ذلك، كنا مستمرين في التنس.
في أثناء اللعب، كان الحبيب لا يتوقف، لكنه في الفترة الأخيرة أصبح يأخذ وقفات ويشعر بـضيق في النفس.
وكان معنا زميل اسمه يحيى آدم، وهو مدرب، وكان يلعب مع الحبيب، ودائمًا يضغط على نفسه كثيرًا أثناء اللعب،
فكنت أقول ليحيى: اطلب من الحبيب أن ترتاح، حتى يشعر هو بأنه ليس وحده المُتعب، فيرتاح هو أيضًا.
أيضًا، لاحظت أنه عند صعود السلم — وكان في السابق يصعده بخفة — أصبح يشعر بالتعب ويأخذ نَفَسَه بصعوبة.
وفي صلاة الجمعة، عندما كان يقوم لإلقاء الخطبة، أصبح يترنح ولا يستطيع الوقوف بسهولة.
وكان لا يحب أن يساعده أحد، فأصبحت أجلس أمامه، حتى إذا أراد القيام يستند على ظهري.
هذا الوضع كان في شهر يوليو 2020م.