حوارات

المفكر والدبلوماسي الدكتور فرانسيس دينق في حوار مع ( راديو دبنقا) :السودان ساحة لتصفية حسابات القوى الدولية .. ورفض الجلوس مع الإسلاميين أو قوات الدعم السريع يعطل أي مسار نحو السلام الشامل !

في حوار شامل، تحدث المفكر والدبلوماسي السوداني الدكتور فرانسيس دينق – المستشار السابق للأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، ومسؤول شؤون النازحين داخلياً في العالم – حول جذور الأزمة السودانية وأبعاد الحرب الجارية، مؤكداً أن ما يحدث اليوم هو نتاج لتاريخ طويل من الإخفاقات في إدارة التنوع والتدخلات الخارجية المتشابكة.

 

 

 

أجراه: راديو دبنقا – ترياق نيوز

في حوار شامل، تحدث المفكر والدبلوماسي السوداني الدكتور فرانسيس دينق – المستشار السابق للأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، ومسؤول شؤون النازحين داخلياً في العالم – حول جذور الأزمة السودانية وأبعاد الحرب الجارية، مؤكداً أن ما يحدث اليوم هو نتاج لتاريخ طويل من الإخفاقات في إدارة التنوع والتدخلات الخارجية المتشابكة.

الحرب الحالية امتداد لصراع الجنوب

قال دينق إن الحرب الدائرة الآن في السودان هي امتداد مباشر للحرب القديمة في جنوب السودان، موضحاً أنها ليست مجرد نزاع بين الجنرالين البرهان وحميدتي أو المجموعات الموالية لهما، كما يُصوَّر إعلامياً، بل صراع معقد مرتبط بعوامل داخلية وخارجية متشابكة.
وأضاف:

“اختزال الأزمة في شخصين هو تبسيط غير حقيقي، فالسودان اليوم أصبح بؤرة لتقاطعات إقليمية ودولية، ولكل طرف خارجي مصالحه وأجنداته الاقتصادية والسياسية التي يستفيد منها على حساب هشاشة المجتمع السوداني.”

وأشار دينق إلى أن السودان تحول إلى ساحة لصراع المصالح الأجنبية، وأن كل دولة أو محور يسعى لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال دعم أطراف محلية في الحرب.
وقال:

“يجب أن ننظر بعمق إلى دوافع هذه الأطراف الخارجية، وإلى أي مدى تضع في اعتبارها إيجاد حل حقيقي وشامل من داخل السودان نفسه.”

وأضاف:

“علينا أن نطرح أسئلة واضحة: ماذا تريد القوى الإقليمية والدولية من السودان؟ وما أهدافها من تأجيج الصراع؟ وما الثمن الذي يدفعه الشعب السوداني مقابل تلك التدخلات؟”

فشل النخب في إدارة التنوع

وأوضح دينق أن السودان يعيش اليوم تشظياً خطيراً بين مناطقه المختلفة – الغرب والشرق والجنوب والشمال والوسط – معتبراً ذلك نتيجة مباشرة لفشل النخب الحاكمة في إدارة التنوع منذ الاستقلال.
وقال:

“المشكلة ليست فقط في الحرب، بل في العودة إلى المفاهيم الاستعمارية القديمة التي فرضت أنظمة حكم لا تنسجم مع القيم الإفريقية والسودانية الأصيلة.”

 

رفض الإقصاء والحلول المستوردة

وشدد على أن الحلول المفروضة من الخارج أو المستوردة من تجارب غربية فشلت في معالجة جذور الأزمة الوطنية، مضيفاً أن أي عملية سلام حقيقية يجب أن تشمل كل الأطراف دون إقصاء.
وأوضح:

“توحيد السودان لا يمكن أن يتم دون جلوس الجميع على طاولة واحدة، ورفض الجلوس مع الإسلاميين أو قوات الدعم السريع يعطل أي مسار نحو السلام الشامل.”

وتساءل:

“إذا كان الإسلاميون مرفوضين، والدعم السريع مرفوضاً أيضاً، فمن سيجلس مع من؟ وكيف سيتحقق السلام؟ ومن سيوحد السودان؟”

الانفصال ليس حلاً

وقال دينق إن انفصال جنوب السودان كان نتيجة لفشل الدولة السودانية في احتواء التنوع، وإن ذلك الانفصال لم يجلب السلام حتى للجنوب نفسه.
وأضاف:

 

 

“بعد الانفصال دخل جنوب السودان في نزاعات قبلية دامية خلال أقل من عامين، وإلى الآن لم يجدوا الاستقرار المنشود.”

وأكد أن الانفصال ليس حلاً حتى لو تكرر في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الوسط، قائلاً:

 

 

 “فشلنا في إيجاد إطار جاذب لكل السودانيين للتعايش في وطن واحد، فانفصل الجنوب، فهل سنفشل مرة أخرى بتكرار التجربة نفسها؟”

السلاح لا يُرفع بلا قضية

وتحدث دينق عن أهمية الاعتراف بدوافع جميع الأطراف المسلحة، قائلاً:

 

 

“لا يوجد شخص يحمل السلاح ويخاطر بحياته دون أن تكون لديه قضية أو هدف يؤمن به، حتى لو كان مخطئاً في وسيلته. لذلك لا بد من النظر في قضايا كل الأطراف بجدية، مهما كانت الاتهامات الموجهة إليهم.”

استعادة القيم الأصيلة طريق النهضة

وأشار إلى أن أخطر ما يواجه السودان اليوم ليس الحرب فقط، بل فقدان القيم الأخلاقية والاجتماعية التي كانت تميز المجتمع السوداني.
وقال:

“لن ينهض السودان إلا إذا استعاد قيمه الأصيلة: التسامح، والصلح الأهلي، والمصالحة الوطنية، والاعتراف بالآخر.”

وأضاف:

“نريد للسودان أن يكون وطناً واحداً يضم أنظمة مختلفة، تتيح لكل منطقة أن تحكم نفسها وفق خصوصياتها الثقافية والاجتماعية، سواء كانت تقاليد إسلامية أو مسيحية أو محلية، على أن يبقى السودان موحداً في إطاره العام.”

الحل بيد السودانيين

وختم دينق حديثه بالتأكيد على أن الحل الحقيقي للأزمة السودانية بيد السودانيين أنفسهم، وليس عبر الوسطاء الخارجيين، قائلاً:

   “علينا أن نجلس معاً ونتحاور بصدق، نبحث جذور المشكلة، ونعالج الأزمات بروح الصبر والحكمة، حتى لو استغرق الأمر سنوات.”

المصدر: راديو دبنقا
التاريخ: نوفمبر 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى