الخرطوم: ترياق نيوز
نجحت السياسية البريطانية راقية إسماعيل في تدوين اسمها كأول عمدة محجبة في تاريخ المملكة المتحدة، مقدمة بذلك نموذجا مشرّفا لنجاح المرأة المسلمة في بريطانيا، ومنحت للنموذج البريطاني صورة مشرقة في التعامل مع المهاجرين وسلاسة اندماجهم، ووصولهم للمناصب الرسمية.
لكن هذه القصة الملهمة لم تدم طويلا، إذ اصطدمت بجدران سميكة من واقع الممارسة السياسية التي وصفتها راقية إسماعيل “بهيمنة الرجل الأبيض”، والتي دفعتها للاستقالة من منصبها، احتجاجا على ما أسمته بالتهميش الذي طالها على الرغم مما حققته من نجاحات سياسية واجتماعية في المنطقة التي تمثلها.
استقالة راقية إسماعيل أعادت موضوع العنصرية في المجال السياسي إلى الواجهة، وخلّفت صدمة في صفوف الأقلية المسلمة في بريطانيا، فهناك من يرى أن هذه الاستقالة ربما تكون جرس إنذار لوجود مثبطات كثيرة أمام تميز المرأة المسلمة، وفي هذا الحوار الخاص مع الجزيرة نت، تكشف راقية إسماعيل أسباب استقالتها.
ما هي الأسباب التي دفعتك للاستقالة من منصبك كعمدة لمنطقة إزلينغتون؟
نجاحك في الانتخابات يعني توفرك على شعبية جيدة، فلماذا يهمشك الحزب؟
أعتقد أنه كان يتم النظر إليّ كوسيلة للوصول إلى كتلة مهمة من الناخبين وهي كتلة يحتاجها الحزب، من المواطنين ذوي البشرة السمراء والمهاجرين والمسلمين والمحجبات، ولكي أقدم صورة للخارج بأن السياسة البريطانية تسمح للجميع بالنجاح وتقلد المناصب، لكن في الحقيقة ومن خلال الممارسة فالأمر مختلف تماما، وبصراحة أصبت بخيبة أمل لأنني عندما انخرطت في العمل السياسي، كنت أؤمن بقيم العدالة والمساواة السياسية، وبأن الجميع متساوون ولهم فرص متكافئة من أجل النجاح، لكن مع الأسف لم أجد كل هذه القيم على أرض الواقع.
هل تعتقدين أن ما تعرضت له من عرقلة لعملك سببه الحجاب؟
أعتقد أن الكثير من العوائق التي وضعت أمامي تعود لكوني امرأة مسلمة قوية، وأدافع عن أفكاري بثقة، وأعبّر عن رأيي بصراحة، وأناقش القرارات. هم يريدون سيدة مسلمة خاضعة تجلس على الكرسي ولا تفعل أي شيء، وتبقى فقط كمظهر من مظاهر الاندماج، لكن أنا رفضت أن أكون مجرد صورة فقط.
قلت إن قرار استقالتك كان بسبب سياسة “الرجل الأبيض”، ماذا تقصدين؟
البعض من الرجال البيض الذين عملت معهم ممن يقودون بعض مؤسسات الدولة لا يريدون الاستماع إلي، ولا يعطون أي قيمة لما أنجزه، ولا يجيبون عن المسائل التي أعرضها عليهم، ويعطون لأنفسهم الحق في القيام بما يريدون بالطريقة التي يريدون وفي الوقت الذي يريدون، وهذا أمر خطأ ولا يمكن أن يحدث في دولة متحضرة. أنا أطالب بأن يتم الاستماع إلي لأنه تم انتخابي من طرف المواطنين، وأنا ممثلة للشعب، ومهمتي إيصال مشكلاتهم للمسؤولين وعليهم الإصغاء.
أنا جد حزينة وغاضبة مما حدث معي، لأنني شخص يتمتع باحترام كبير في المنطقة التي أمثلها، وعندما يتم تجاهلي بشكل كامل، فإن هذا يبعث رسائل سلبية حتى للمواطنين.
ما هي الجهات التي تعاملت معك بعنصرية؟
بعض القيادات في بعض المؤسسات لا يظهرون أي تقدير للمبادئ والقيم التي أدافع عنها، حيث تعرضت للإقصاء، وأنا على يقين من أنني لو كنت سيدة بيضاء لما واجهت كل هذه المعاناة، وعندما أتحدث عن القيادات التي أقصتني فأنا أقصد صناع القرار في مجلس المنطقة التي أمثلها.
هل صدر أي رد فعل من السياسيين بعد استقالتك؟
لا أبدا، لم أتلق أي اتصال يستفسر عن أسباب استقالتي، أو يعرض علي النقاش لمعرفة المشكلات التي واجهتها، الجميع تعامل بلامبالاة مع قرار الاستقالة وكأنه حدث عادي.
هل ناقشت مع قيادة حزب العمال المشكلات التي واجهتك في عملك؟
كان هناك نقاش بيني وبين قيادة الحزب عبر برنامج إذاعي على خلفية استقالتي، وعبّرت القيادة عن أسفها لهذا القرار، ووعدت بالاستماع إلي وللمشكلات التي أواجهها، لكنني حاليا أركز على تمثيل المواطنين الذين صوّتوا لصالحي، وعلى مساعدة من يستحق المساعدة بغض النظر عن دياناتهم أو أصولهم.
ما هي ردود فعل الأقلية المسلمة بعد قرار استقالتك؟
رد فعل المواطنين الذين أمثلهم هو الذهول والمفاجأة، لأنهم يعتقدون أن شعارات المساواة وتكافؤ الفرص لم يتم تطبيقها في حالتي، على الرغم من أنني السيدة المحجبة الوحيدة في مجلس تسيير المدينة، ولكن لم يتم الاستماع إلي ولم أجد من أتوجه إليه لأبث شكواي، وأنا مصرة على القيام بوظيفتي كممثلة للمواطنين ولست أعمل عند السياسيين وصناع القرار.
سبب استقالتي يعود إلى عرقلة عملي من طرف مجلس المنطقة التي أعمل بها، فقد تم إيقاف عدد من المساعدات للناس الذين أمثلهم لأسباب أعتقد أنها مرتبطة بالإسلاموفوبيا، كما أنني شعرت أن هناك مشاعر كراهية متزايدة نحوي -باعتباري مسلمة- من بعض الزملاء في العمل، وعلى سبيل المثال تم منع تنظيم أي نشاط رسمي من طرفي، وهو ما أثار حزني وامتعاضي.
تم منعي من حسابات المجلس، وتعرضت لمضايقات فقط لأنني كنت أطالب بحقوق الناس الذين أمثّلهم، وقد عرضت الكثير من المشاريع التي تساعد هؤلاء الأشخاص.
وأنا أشعر بحزن عميق لأنني فقط أردت العمل والمساعدة، لكن تم استهدافي، وصوتي لم يعد مسموعا، وعملي لا يتم إعطاؤه حقه، ولا أجد أي تقدير أو اعتبار حتى من داخل الحزب الذي أنتمي له.
المصدر : الجزيرة