اعمدة

خالد سلك .. يكتب .. مؤتمر لندن .. خطوة إلى الأمام !

 

 

 

 

     بمبادرة مقدرة ومشكورة من المملكة المتحدة وبدعوة مشتركة منها والإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، انعقد اجتماع رفيع المستوى ضم ممثلي كندا، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وكينيا، والمملكة العربية السعودية، والنرويج، وقطر، وجنوب السودان، وسويسرا، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، وأوغندا، والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب ممثلين رفيعي المستوى من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.

 

 

 

 

 

 

حدد منظمو المؤتمر في ورقته المفاهيمية الأساسية ثلاثة أهداف رئيسية هي:

 

 

 

 

 

 

1. زيادة الاهتمام والدعم الدوليين للجانب الإنساني للصراع في السودان، بما في ذلك تأثيره على الدول المجاورة وعلى الاستقرار الإقليمي.
2. إحراز تقدم نحو توحيد الموقف الدولي بشأن الخطوات التالية لحل الصراع في السودان.
3. تحديد خطوات وتنازلات ضرورية لتحقيق تقدم فعّال في الوصول الإنساني وتحسين الاستجابة الإنسانية بشكل عام.

 

 

 

 

 

 

 

 

هذه الأهداف تشير بوضوح لعدم دقة بعض التوقعات والجدالات التي حدثت قبل المؤتمر وأثناءه، فالمؤتمر لم يكن مخصصاً لبداية مسار وساطة جديد لحل الأزمة السودانية، أو للإتيان بحلول لمسببات النزاع، بل أنه مصمم بالأساس لتطوير التنسيق بين الفاعلين الدوليين المهتمين بملف السودان إنسانياً وسياسياً.

من هذا المنظور يمكن اخضاع مخرجات المؤتمر لتقييم أكثر موضوعية وواقعية، يبصر نقاط التقدم ويفهم التحديات الجسام التي تحيط بالسودان. نجح المؤتمر أولاً في تسليط الضوء على أزمة السودان المنسية، ففي الوقت الذي صنفت فيه هذه الكارثة بأنها الأكثر فداحة في القرن الحادي والعشرين، إلا أن مستوى الاهتمام الدولي بها والتعاطي الاعلامي معها أقل بكثير مما تستحق، وقد جعل المؤتمر من السودان خلال فترة انعقاده قضية لفتت انتباه العالم ونوقشت على مستوى هو الأرفع منذ اندلاع الأزمة وهو أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر.

 

 

 

 

 

 

 

 

النجاح الثاني للمؤتمر تمثل في جمع مبلغ مالي في حدود ال 800 مليون دولار تبرع به كل من المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا، وجاء هذا المبلغ ليساهم جزئياً في سد فجوة تمويل خطة الاستجابة الإنسانية الدولية لتوفير المعونات اللازمة للمتضررين من الحرب في السودان، والتي يبلغ اجمالي تكلفتها 6 مليارات دولار, تكابد هيئات الأمم المتحدة في جمعها، خصوصاً مع التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم مؤخراً، والتي أثرت على فرص جمع موارد للمساعدات الإنسانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التحدي الأكبر الذي واجه المؤتمر هو كيفية إحكام آليات التنسيق بين الفاعلين الاقليميين والدوليين في ظل انقسام كبير حول السودان أظهر المؤتمر عمق حدته وخطورته. لا أظن بأن أي أحد كان يتوقع بأن اجتماع يوم واحد سينهي الانقسامات الإقليمية والدولية حول السودان، ولكن تعذر الاتفاق على نقاط محدودة في البيان الختامي أجلى بوضوح للسودانيين خصوصاً وللأسرة الدولية على وجه العموم حجم التناقضات التي تعقد الملف السوداني، وما تشكله من مخاطر على مستقبل ايجاد حل سلمي للنزاع. استمرار هذا الاستقطاب وزيادته سيؤدي لمضاعفة معاناة السودانيين وتفتيت البلاد في نهاية المطاف.

 

 

 

 

 

 

 

 

التعاطي مع قضية الإنقسام الدولي حول السودان يتطلب منهجاً في التعامل مع هذا البعد من النزاع يبدأ من السودانيين أنفسهم، حيث يجب أن يدركوا بأن وطنهم معرض للتفتت والضياع بصورة كلية ما لم يرتفعوا لمستوى التحدي المطروح أمامهم، ويجترحوا حلولاً حقيقية توقف القتال وتؤسس لسلام مستدام وتدرك طبيعة التقاطعات الإقليمية والدولية من حولنا، وتعالجها بشكل لا يضر بمصالح السودانيين ولا بمحيطهم الخارجي، وهو طريق كالسير على حبل رفيع يتطلب التوازن والفهم العميق لهذا الواقع المعقد. من جانب آخر فقد أوضح المؤتمر إمكانية اتباع مقاربة مختلفة في التنسيق بين الفاعلين الاقليميين والدوليين تبدأ من الاتفاق بين من تتقارب رؤاهم حول التعاطي مع الشأن السوداني “The like minded”وتتوسع تدريجياً لتضم دوائر أوسع وصولاً إلى أفضل صيغ التنسيق الممكنة، وقد مثل البيان المشترك الصادر من الجهات الداعية (الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) حجر الزاوية لهذه المقاربة، إذ احتوى البيان على رسائل جيدة في كثير من جوانبه، يجب استكمالها بمزيد من التواصل والنقاش والتعاطي مع بقية الفاعلين الإقليميين والدوليين، وهو المنهج الذي وصفه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في كلمته أمام المؤتمر بتعبير “الحوجة لدبلوماسية صبورة”. هذا الصبر والتدرج مطلوب ليس في التعاطي مع أطراف القتال فحسب، بل كذلك في التواصل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين حول السودان.

ختاماً فإنه يمكننا القول بأن مؤتمر لندن قد شكل خطوة إلى الأمام، استكمالها يتطلب ألا تكون حدثاً ليوم واحد ينفض من بعده السامر، ويعاد السودان من بعده لطي النسيان مرة أخرى. هذا الزخم والاهتمام الذي جلبته لندن لحرب السودان يجب أن يستمر حتى ايجاد مخرج سلمي من هذا النزاع الدامي، فكلفة انهيار السودان أكثر فداحة مما يتصور الكثيرين، ليس للسودانيين فحسب بل لمحيطهم الإقليمي والدولي بأسره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى