الجميل الفاضل .. يكتب.. (عين علي الحرب).. بين “المتغير الخفي”، و”اللحظة السحرية”؟!
شبه المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة السقوط المفاجيء لنظام بشار الأسد، بلحظة سقوط أحجار الدومينو.
قائلا: كأنها “لحظة سحرية”.
المهم فالدومينو، هي مجموعة أحجار ترتب بإنتظام في وضع الوقوف أو الإرتكاز، على طرف إحداها.
وهو وضع يهيئ كل هذه القطع، للسقوط دفعة واحدة، لينهار من ثم ترتيبها الأول، ولينشأ لها شكلا آخرا جديدا ومختلف.
فقد إستعار الساسة الامريكان نظرية من هذه اللعبة، أسماها الرئيس الأمريكي ايزينهاور أثناء الحرب الباردة “نظريه الدومينو”.
التي تقوم على أن سقوط أي جزء من أي نظام، لابد أن يمهد تلقائياً لتساقط باقي اجزائه.
علي أية حال مضي عزمي بشارة في معرض تحليله للحدث السوري، الي شرح ما أسماها “اللحظة السحرية” التي تنهار فيها الأنظمة، بقوله: هي لحظة لا يعطي فيها أحد، أوامرا للجنود بالتوقف والذهاب الي بيوتهم، مستطردا بالقول: هناك شيء ما يحدث في مثل هذه اللحظة، يقود الي حدوث تغير نوعي حقيقي.
مشيرا إلي أن هذا هو ماحدث في أوروبا الشرقية، وفي ألمانيا الشرقية، ودول مثل تشيكوسلوفاكيا، التي انهار فيها النظام دون إطلاق رصاصة واحدة.
ذكرتني إحالة الدكتور عزمي بشارة لظاهرة سقوط الأنظمة دون رصاصة، ودون مقدمات، الي ما أسماها “اللحظة السحرية”، بمصطلح غامض آخر، قال به الدكتور عطا البطحاني الأكاديمي السوداني المختص في علوم السياسة في ندوة قبل الحرب بالخرطوم، هو مصطلح ” المُتغَّير الخفي” الذي سعي من خلاله لتفسير الحالة السودانية، وما يرشح عنها من تمظهرات، يصعب إخضاعها أحيانا لمنطق العقل، ولمعايير السياسة.
ولعل أسطع مثال لهذا “المتغير الخفي” الذي إتكأ عليه البروفسور عطا البطحاني للهرب من مأزق إيجاد تفسير علمي لبعض الظاهرات، التي لا وجود لها سوي في السودان، وفي مجاله السياسي خاصة.
قد جسده حال سفير الولايات المتحدة، في منتصف ستينات القرن الماضي “ويليام. ام. رونتري” الذي راهن على قوة نظام عبود في برقية بعث بها قبل يومين فقط من إندلاع ثورة إكتوبر المجيدة، ثم عاد ببرقية أخرى أقر فيها بسقوط النظام الذي وصفه في غضون شهر واحد بأنه قوي ومستقر.. لترد عليه الخارجية الامريكية متسائلة في حيرة، أي البرقيتين صحيح؟.
ليجيب السفير خارجية بلاده، بجواب أعجب من سؤالها:(نعم كلا البرقيتين صحيح).
كلا البرقيتين صحيح.. لأن متغيرا خفيا، قد طرأ فكان له مفعول السحر علي سلوك شعب، أضحي بمقدوره أن يسبح خارج الطقس، وأن يكسر كافة قواعد المألوف والمعتاد.
وهكذا، والي يومنا هذا، فأن شعب السودان، ظل لهذه الخصيصة التي يتفرد بها، شعب مختلف، متقلب الأطوار، “صعب المراس”، يصعب التنبوء بتصرفاته على مر التاريخ قراءة و توقعا.
بل أتصور أن هذا “المُتغيِّر الخفي” لا زال ينشط الي الآن تحت عتمة هذه الحرب، يقودها متخللا وقائعها اليومية، ليتحكم بالنهاية في مسارات أحداثها اللولبية المتأرجحة.
لقد حكي د. تاج السر الترابي قصة تبين كيف لهكذا “مُتغيِّر خفي” أن يعمل، والي أي وجهة سيمضي في النهاية؟، ومتي ل”لحظة سحرية” كتلك التي تحدث عنها عزمي بشارة يمكن أن تحدث في السودان؟.
قال د. تاج السر: “في أواخر ديسمبر ١٩٨٤م أذكر إنني كنت متواجدا في جلسة حوار فكري بمنزل الاستاذ محمود محمد طه، قبل إصدار منشور الفكرة الجمهورية الشهير (هذا أو الطوفان).
تناول الحوار الفكري موضوعات عديدة، ولكن ما لفت إنتباهي وكل تركيزي مقولة الاستاذ محمود: إذا علمتم “بأحداث” و”ثمن” تكلفة إنتزاع وإقتلاع جماعة “الهوس الديني” من جذورهم، من أرض السودان، لما تمنيتم أن تدركوا ذلك الوقت.
فسأل أحد التلاميذ الأستاذ عن تصوره لشكل تلك ألاحداث، رد عليه الاستاذ: البلد دي، راح تكون في حالة “دمار شامل” و”خراب كامل”، خاوية علي عروشها، حتي تقنعوا من خير فيها، ثم بعد داك، تعمر.
ومضي الدكتور تاج السر الي القول” ثم تلي الأستاذ محمود علي تلاميذه: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً، فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ، اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).
ويقول تاج السر: بعد “العمار” أردف الأستاذ:
يجيء عليكم خير، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يجيكم خير الدنيا بجنة الله في الارض”.