إستفحلت الازمة السودانية ووصلت مرحلة من التفاقم والتعقيد واستعصت حتى على من نسج خيوطها الأولى في ليل حالك السواد.. لم يكن في حسبان اصحاب الغرض أن يتعاظم الامر ويتجاوز الحدود ويصل الى التدويل ولكن على نفسها جنت براقش.. دارت رحى حرب المصالح والصراع على كرسي الدم والتسلط حيث أنها حرب لاتعني الشعب من قريب او من بعيد في شئ وليس لها جند وطني واحد وإنما إندلعت على خلفية صراع مراكز القوة وتراكمات الإستقطاب منذ فترة ليست بالهينة قبل حدوثها حيث ان هناك خيط واهي يربط بين الجيش وقوات الدعم السريع تجمُلاً على أساس انهم جسم واحد متماسك وان الدعم من رحم القوات المسلحة وان من ينتظر الوقيعة بينهم واهم وهكذا نماذج من خطاب المرحلة التى كانت تغلي على مرجل الكارثة وكانت ساعة الصفر يعلمها فقط من يقود سفينة المهالك من خلف الكواليس وقبطانها الغادر والمجرد من ادوات الفعل بل هو المفعول به بعلمه من حيث الحقيقة وبجهله من حيث المآلات.. حلت الكارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى وبعنف غير مسبوق في البدايات وتصاعد مستمر حيث اللا نهايات.. ومن أسوا ما حدث في هذه الحرب سوء التقدير في كل شئ ومن كل الأطراف ولغرابة الوضع وإستثنائيته اصبحت الحرب هى التي تقود الفرقاء وليس الاطراف هم من يتحكم في إدارة ضبط المصنع من داخل غرف التحكم هذا إن وجدت.. لذلك ترى مستوى العشوائية والمفاجآت هى سيدة الموقف حتى على قادة الميدان لايعرفون صرفاً ولا عدلاً في كثير من قرارات القيادات العليا واعني هنا الجيش فاصبحت حلقات التواصل شبه مفقودة او قل غير مقنعة وغير مريحة لشريحة كبيرة داخل القوات المسلحة مما إنعكس على مستوى الأداء وأصبحت نقاط الضعف والثغرات كثيرة وبالمقابل إندفع الدعم السريع بلا هُدى ولا تروي فكسب الكثير على حساب الجيش من الواقع العسكري والميداني وتمدد في عمق الجزيرة وفي غرب البلاد وفي جنوبها الشرقي تباعاً وما زال يتمدد ولكن بالمقابل خسر خسراناً بيناً وعظيماً من حيث يدري ولا يدري خسر الشعب وهذه علامات إستفهام لا افهما ولا يمكن ان اتفهمها !!! لماذا كل هذا العداء والإستعداء للشعب وإرتكاب المجازر دونما أسباب ولماذا نهب املاك الناس واحتلال البيوت والإعتداء على الاعراض؟! هل تعلموا لو كان هناك نذر يسير من الفكر السليم فتح الله به على قادة الدعم السريع وتجنبوا إستعداء الشعب وكسبوا ثقة الشعب بمعيار الحد الأدنى للتعامل لأختلف الامر تماماً لصالحهم وربما ادركوا هذا الخطأ الفادح والقاتل في مرحلة متاخرة بعد ان سبق السيف العزل ولاتنسوا ان المجتمع الدولي بمؤسساته وعلي قلة حيلتها تراقب وتسجل الإنتهاكات وسيكون لها مفعولها في قادم الايام
سالت الدماء وتشرد الناس علي مستوى الداخل والخارج وفقد الناس المأوي والمعاش وعمت الفوضى والجشع وعاش الناس حالة اللا دولة واللا أمان .. ووصلت الحالة الإقتصادية مرحلة من التردي لا يمكن وصفها وتعطلت المواسم الزراعية مما ينذر بشبح المجاعة ونقص المُؤن الاساسية والمهمة في حياة المواطن
مع كل ما سبق من سرد لمستوى المأساة والتي هى حقيقة مؤلمة من تداعيات الحرب التي لاتبقي ولاتذر تظهر ثلاث لاءات صامتة ضمنية محيرة تصب في منع وقف الحرب مرتبطة ومتداخلة الى حد كبير هى لاءات الداخل والإقليم والتدويل والتي تعني اطراف الصراع بشقيهم العسكري والمدني وعلى مستوى الداخل وكانها لا تريد حلاً وإن تجملت على مستوى الشكل.. فكل طرف يدعي أن له من المبررات ما يكفي لعدم التنازل !!! مع انه فقهاً وعرفاً وفهماََ ان من يتفاوض يعلم إن هناك مساحة من التنازل في صالح الوفاق هذا معلوم بالضرورة ولكن كلما اذن مؤذن حي على السلام سحبه أنصار الحرب الى مربع الدماء.. يا من تعادي وقف الحرب إعلم أنك اول ضحاياها طال الزمن او قصر وهنا لابد ان تستصحب قراءة التاريخ بشكل جيد ومضمون عميق فالتاريخ يقول أنه ليس هناك حرب إنتهت لصالح أحد الأطراف بالإنتصار بل كانت الحلقة النهائية والجولة الختام بالتفاوض بعد ان تقضي على الأخضر واليابس ودونك تجربتنا مع الجنوب الحبيب نصف قرن من الزمان صراع ودماء وفقد لخيرة الشباب وبعدها كانت النتيجة ان انتهت على مائدة التفاوض وفقد جزء عزيز من تراب الوطن الحبيب بعد أن إرتوت الأرض بالدماء والدمار .. فلماذا لا نمتلك الشجاعة ونوقف سيل الدماء وهدر المقدرات في حينها وليس بعد كل هذا الخراب؟!
على مستوى الأقليم فهذا شئ يصعب وصف حالة التناقض في التعاطي مع هذه الحرب إذ الخطاب المعلن هو رفض الحرب والضمني هو مع الحرب بكل تفاصيلها من حيث الدعم اللوجستي والتكتيكي وفي هذا الشأن يتضح جليا ابعاد صراع المصالح على أرض السودان والكل يغني على ليلاه والامة السودانية كرصيد بشري وإنساني خارج نطاق التغطية تماماً ومن هنا يتضح البعد الشرس والمؤلم للحرب وإسقاطاتها على واقعنا الحياتي.. هذا مع ملاحظة تبني بعض المبادرات للحلول من بعض الفاعلين والمؤثرين في المحيط الإقليمي حيث تقاطعات المصالح المشتركة والمعقدة مع اطراف النزاع ولكنها لا ترقى الى توصيفها بالجدية حيث هناك كثير من ادوات الضغط على أطراف الحرب يمكن تفعيلها ولكن هي مبادرات علاقات عامة وسريعاً ما تتلاشى ويصبح صوت الأواني الفارغة والجعجعة تملأ المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي ولكن من غير طحيناً يُرى .. ويقيني الذي لا تساوره الشكوك أن هذه الحرب ستصل ظلالها الي واقع المجتمع الإقليمي من حولنا وهى على قاب قوسين او أدنى من الوصول واعتقد ان بعض الدول اصبحت تدرك مستوى الخطورة وخرجت من دائرة اللاءات الصامتة الى دائرة الضوء والحراك العلني لإيجاد الحلول ووقف الحرب..
اما على المستوى العالمي فإن التعاطي مع الشأن السوداني لا يرقى ابدا الى المستوى المطلوب من حيث مستوى الكارثة التي حلت بالبلاد وحيث يعتبر السودان الآن هو الأسوأ على مستوى الكرة الأرضية فتجد هناك برود في التعامل مع هذا الملف ومن حين لآخر تصدر إدانات خجولة من هنا وهناك.. وهى ايضا تسبح في دائرة اللاءات الضمنية الصامتة.. ولكن بمجرد أن يحدث إستقطاب لطرف تتحرك البركة الساكنة ويصبح لها تيار جارف ويعلو صوت المبادرة حفظاً لتوازن المصالح وهذا ما يحدث الآن
عليه يتضح ان أُس البلاء والخراب يكمن في مثلث اللاءات الثلاث الصامتة بأضلاعه الثلاثة الداخلية والإقليمية والدولية حيث تدعو لعدم وقف الحرب ضمناً وليس صراحة وإن إختلف شكل التناول لواقع الازمة من محور لآخر
ومضة :
هى روح مُتعبة بفوضى الجسد مُنهكة بفكر العقل ووعي السؤال