ظللنا نتابع ومنذ اكثر من عشرة ايام النيران المجهولة التي تجتاح قرية أم صيقعون الجاك التي ترقد على ارض الباجا نواحي شمال شرق كردفان محلية أم روابة .
ظاهرة إحتراق المنازل هذه لم تكن جديدة في هذه المناطق حيث يرجع تاريخها للعام ٢٠١٠م وهي سنويا تجتاح قرى قبيلة البزعة وخاصة إداربتي جلي والجنيد وعادة تبدأ هذه النيران في مارس وابريل من كل عام وطيلة هذه المدة لم يعرف سبب منطقي لاندلاع هذه الحرايق ، هنالك من يرجعها لخرافات بما يسمى ” ابوكليقة ” أي شيطان يحمل هذا الاسم وينتقي المنازل التي يريد لها الاحتراق وهنالك من يفترض السبب مناخي ويعزيه لتعرية التربة وإرتفاع حرارة الشمس والبعض الآخر يفترض بأن المنطقة بترولية وان النيران تشتعل نتيجة لتسرب الغاز .. ولكن المرجح عند الأهالي أنه رجس من عمل الشيطان وحجتهم في ذلك بأن هنالك وقائع غريبة تحدث ، مثلا تقضي النار على جزء من المنزل وتترك جزء لا يفصل بينها شئ مثلا تقضي على قطية وتترك راكوبة او تترك سياج وكلها من المواد المحلية ، ايضا لهم أسئلة منطقية يقولون لك لماذا لا تشتعل النيران في الاشجار والاعشاب الجافة البعيدة عن المنازل .. ايضا النيران ممكن تشتعل في منزل وتتجاوز منازل مجاورة للمنزل المشتعل وتشتعل في منازل اخرى والملاحظة الأخرى بأنه وفي كثير من الأحيان تبدأ النيران الاشتعال في قمة المنزل اي أعلى نقطة في القطية وهذه تبعد شبهة بان سبب الحريق عقب سيجارة او تصرف خاطئ من احد اصحاب المنزل وغير ذلك ولا ننسى بانه لا توجد كهرباء حتى نعتقد بانه إلتماس كهربائي .. ونكرر سنويا تتجدد النيران وتتجدد هذه الاسئلة ولا حياة لمن تنادي سواء السلطات الولائية او الحكومة المركزية ولا حتى جهة علمية كلفت نفسها التفكير في دراسة هذه الظاهرة ..
المهم في الأمر حتى لحظة كتابة هذا الموضوع ما زالت النيران تتمدد في قرية ام صيقعون الجاك التي تبعد حوالي ٤٠٠ كلم الجنوب الغربي للعاصمة الخرطوم والتي يبلغ عدد سكانها حوالي ١٢ الف نسمة .. الآن جميعهم في العراء يفترشون الارض ويلتحفون السماء لان حتى الذين لم تطلهم النيران يتوقوعنها في أي لحظة وأصبحت ألسنة اللهب شئ مألوف ليلا ونهار والملاحظة الجديدة في السنوات الماضية كانت النيران تشتعل بالنهار فقط اما الآن أصبحت ليلا ونهارا .. تخيل حجم الرعب الذي يصيب الصغار والكبار وهم في اي لحظة يجدوا انفسهم محاطين بألسنة اللهب .. أيضا هذه القرية والقرى حولها تعاني اشد الاهمال وهي عندها معاناة دائمة من أزمة المياه ولا تنفرج الا في شهور الخريف من يوليو وحتى اكتوبر اما بقية العام تكلفة الماء فقط تأكل كل مدخراتهم من حاصل منتوج الزراعة المطرية التي قلت كثيرا بسبب شح الامطار .. وكذلك قلة الخدمات او انعدامها في اغلب هذه المناطق مثل الصحة والتعليم وخلاف ذلك .. الآن اعتقد اطلاق نداء فقط او صرخة استغاثة غير كافية تجاه هؤلاء المواطنيين المحاطيين بأكثر من كارثة ولا تستطيع الكلمات ان ترسم حجم الكارثة والمعاناة التي يواجهها اهل هذه المناطق وخاصة أم صيقعون الجاك التي قضت النيران على اخضرهم ويابسهم ..
ونحن هنا نكتب هذه الكلمات وليس لنا حيلة سواء نطلق هذا النداء الانساني لكل صاحب ضمير حي في هذه الدولة جميعهم جهات رسمية ومؤسسات خاصة وخيرين والمنظمات الوطنية والاقليمية والعالمية ونقول لهم بأن النار تكل بعضكم من بني البشر فأكفوهم شرها قبل ان تمتد السنتها إليكم او الى من يهمكم امرهم ..
ونحن هنا وباسم جمعية الصحافة الالكترونية السودانية يمكننا ان نحدد المطلوبات العاجلة منها والحلول الجذرية لهذه المشكلة .
العاجل هو تلبية نداء الاستغاثة وتتمثل في تدخل الدفاع المدني وادوات الحماية والمأوى المؤقت مثل الخيام والمشمعات والالحفة والاسرة وكذلك توفير مياه الشرب والمواد الغذائية . واهم ما في الأمر ان تكون هنالك قافلة صحية في كل التخصصات وخاصة الارشاد النفسي مع توفير الادوية . .
اما الحلول الجذرية النداء الاول مرفوع للجامعات والبيوتات العلمية لدراسة هذه الظاهرة لمعرفة الاسباب وتحديد ما اذا كانت هذه الرقعة الجغرافية صالحة للسكن ام لا ، أما الحل الجذري الحقيقي هو تغيير نمط السكن في هذه المناطق .. حيث من المعلوم بأن نمط السكن الحالي من المواد المحلية اي المنازل القشية مثل القطاطي والرواكيب وهذا النمط يشمل الغني والفقير لاسباب معلومة سالفا لان هذا النمط يتناسب مع بيئة المنطقة حيث طبيعة الارض رملية وكانت الامطار غزيرة في فصل الخريف وحرارة الشمس مرتفعة جدا في فصل الصيف وعليه القطية بشكلها الهرمي تقاوم مناخ الخريف من امطار ورياح قوية وفي فصل الصيف تكون المباني القشية اكثر برودة علما بأن هذه المناطق لا تحلم حتى الآن بالكهرباء .. لكن في الآونة الأخيرة هذا النمط من السكن اصبح ضرره اكثر من نفعه حيث تمدد التصحر وقلت الاشجار والحشائش وهي من مكونات البناء ولكن التعدي على الاشجار يساعد في تمدد رقعة التصحر ، عليه تغيير نمط السكن للمواد الثابتة اصبح مطلب ملح لأن حماية البيئة مشروع عالمي ويهم جميع البشرية ، عليه مساهمة المنظمات المهتمة بالبيئة ضرورة ويجب ان تكون البداية بحملات توعوية لاقناع المقتدرين من السكان بتشيد منازلهم بالمواد الثابتة ثم الاسهام مع الفقراء في وجود ماوى لهم بدعمهم ماديا او مواد عينية او حتى آليات مثل مدهم بماكينات صناعة الطوب .. بل ويمكن تسهيل الاغتراض من البنوك بغروض حسنة وطويلة الأجل .. بالطبع جهد الخيرين يكون له وقع خاص .. على اي حال هذه نقاط يمكن ان تتبلور فكرة تكوين لجنة او لجان من الذين يهمهم الامر لوضع تصور متكامل .. ولكن ما نؤكده نحن هنا نعلن كامل التضامن ونؤكد بان اسنادنا الاعلامي جاهز وصرختنا لن تصمت حتى تخمد هذه النيران ويخرج هؤلاء القوم من محنتهم هذه .. فإذا احترقت المنازل لا نريد للقيم أن تحترق والله المستعان ..