اعمدة

عبدالله رزق ابوسيمازه ..يكتب ..من جدة إلى جنيف : تعثر وقف إطلاق النار الانساني !

 

ثمة اتفاق غير معلن بين طرفي الحرب في السودان : القوات المسلحة السودانية، من جهة، وقوات الدعم السريع، من الجهة الأخرى، دخل حيز التنفيذ، برعاية واشراف دولي، على الأرجح، منذ حين من الوقت. أبرز معالم هذا الاتفاق هو انسحاب قوات الدعم السريع من بعض المناطق، في العاصمة الأقاليم، واعادة انتشار القوات المسلحة في تلك المناطق، فيما يشبه بداية للعد التنازلي لانهاء الحرب. يحيط بشقي العملية وقف محدود لاطلاق النار. إذ ثمة معارك تدور في مناطق أخرى : قصف جوي ومدفعي، وانتهاكات وتعديات على المدنيين، كما يستفاد من الأنباء الجارية.

 

 

وفي انتظار اكتمال هذه الانسحابات من طرف، وما يقابلها من إعادة انتشار من الطرف الآخر، لتتضح أكثر وأكثر ابعاد الاتفاق، ومدي علاقته بمشروع التسوية الذي تنشط في محوره العديد من الأطراف الدولية، أبرزها الاتحاد الافريقي وتركيا، تجدر الإشارة إلى تعثر وضع اتفاق جدة الانساني موضع التنفيذ منذ ما يقرب من العامين، هو عمر الحرب العبثية، حسب وصف احد طرفيها، ومن ثم تعثر تقديم الإغاثة للمتضررين من الحرب، في مناطق العمليات وخارجها، مما فاقم من المأساة الإنسانية، الوجه الاخر للحرب.

 

 

 

تتعلق تعقيدات الوضع، باندلاع الحرب، داخل العاصمة، الخرطوم، منذ يومها الأول، ولجوء بعض أطرافها للتحصن بالمناطق السكنية، مما حول المواطنين الي دروع بشرية، وتحول العديد من المواقع المدنية، مثل الأسواق الشعبية في جنوب الخرطوم، الي أهداف القصف الجوي والمدفعي.
مالم يبلغه منبر جدة، وهو حمل طرفي الحرب على القبول باتفاق لوقف إطلاق النار الانساني، هو ما جهدت أطراف منبر جنيف لتحقيقه، للارتباط الجدلي بين وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية، لأكثر من ٢٠ مليون سوداني، حسب الأمم المتحدة،وقد تعهدت به أطراف تحالف جنيف.

 

 

 

 

 

 

في هذه الاثناء، حيث يتعثر وصول الإغاثة للمحتاجين، ويتعرقل بسبب عدم تعاون طرفي الحرب، تتفاقم المأساة الإنسانية، الناجمة عن نقص الغذاء، وتفشي أمراض سوء التغذية وسط السكان، خاصة الأطفال، وكبار السن، بجانب انعدام الرعاية الصحية والدواء. وفي منطقة الوادي الأخضر، بمحلية شرق النيل، بولاية الخرطوم، تواترت منذ سبتمبر الماضي، انباء عن حدوث وفيات بسبب سوء التغذية. وفيما رصدت مصادر طبية في مستشفى البانجديد بالحاج يوسف، ومركز صحي الغار، القريب من الوادي الأخضر، أربع وفيات، وثلاث حالات من سوء التغذية الحاد وسط الأطفال، بين شهري سبتمبر و أكتوبر، وفق إفادة الناشط عباس محجوب، الذي يدير المطبخ التكافلي،( التكية) ، والذي يوفر وجبة يومية لاكثر من ٦٠٠ أسرة في مربعات الوادي الأخضر الثلاث، بجانب قرية مجاورة، فان الصحفي محمد عبدالرحيم، محمد سونا، أكد من جانبه، ان عدد الوفيات أكبر مما هو معلن، مشيرا الي ان الأسر، التي ترى في الوفاة بسبب الجوع، عيبا، تتستر على أسباب وفاة ذويها.

 

 

 

 

 

 

مايحدث في الوادي الأخضر، يمكن أن يعد مؤشرا، لواقع الحال في مناطق أخرى، في العاصمة الخرطوم وخارجها، حيث يعاني السكان من شح السلع الاستهلاكية الضرورية وغلائها، في ظل ضعف القوة الشرائية وشح السيولة النقدية. وهم يعتمدون، الي حد كبير، على التحويلات المالية التي يرسلها لهم أقاربهم واصدقاؤهم من داخل السودان وخارجه، ويضطر اغلبهم الي عرض ممتلكاتهم الخاصة، من ملابس مستعملة واوان واثاث منزلي، للبيع بأسعار زهيدة من أجل الحصول على المال. تتضافر كل تلك العوامل في انتشار الجوع الخفي الذي يحاصر الجميع. ومع تعثر وصول المساعدات الإنسانية، التي وعد بها المجتمع الدولي للمتضررين، فان الأخبار المتداولة عن المجازر المرافقة لعمليات الانسحاب واعادة الانتشار، والتي تستهدف المدنيين، وفق الافادات والفيديوهات المتداولة عبر السوشال ميديا، من شأنها ان تطلق موجة جديدة من نزوح المواطنين وتشردهم بحثا عن الأمان، في مناطق جديدة، مما يعقد الوضع الانساني المأساوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى