اعمدة

الجميل الفاضل .. يكتب .. إزددت بعدا، فأزددت نقصا مركبا!!

 

سبعة أعوام فوق الستين، مضت وأنقضت من عمري، بيد أني لا زلت علي قيد الحياة، وإن أجبرتني الحرب اللعينة، علي فراق وطني “السودان” لأول مرة في حياتي، قبل عام تقريبا لأحل ضيفا علي ربي، في بلاد غير بلادي من بلاد الله الواسعة، أحاول من الأراضي “الأوغندية” الي الآن علي الأقل، التشبث بنوع من الحياة، رغم بقائي لعام كامل خارج الطقس، متحوصا علي ذاتي ملتصقا بها، أرتاض بالإجترار صيد شيء من ملامحي التي أعرفها وتعرفني، لكي أقترب أكثر من نفسي التي خرجت من نفسي، يوم أن خرجت من وطني مجبورا، مقهورا، ومنكسرا، فلم تعد “هي، هي”.. ولم يعد “هو، هو”.. ولم أعد “أنا، أنا”.

أدناه خواطر وأمنيات سطرتها قبل عامين، أعتقد أنها لا زالت تعبر عني الي اليوم ككائن مجتر.

“اليوم أطوي خمسا وستين عاما، لأزدادَ نقصا جديدا، في بساط العمر القصير، هذا البساط المُضّمحِل عاما بعد عام، ويوما بعد يوم.
المهم إنها خمسٌ وستونَ عاما جرت بي سِراعا كالريح، نحو خطوط نهايات هذا الماراثون الطويل، ماراثون المَشقةُ، والعَناءُ، والكَبَّدْ.
إنها سنون زوت فرعي، وأشعلت رأسي، قبل أن تطوي عمري رويدا رويدا، طي السجل، لتضعني هكذا أمام سؤالُ العُمرِ، وتَناقُصه المُضَّطرِد.
الذي هو بالطبع ذات السؤال العميق الذي رماه بوجوهنا فيلسوف شعراء هذا العصر الراحل “محمود درويش” قبل أن يمضي هو نفسه الي حال سبيله ميتا كسائر البشر:
“ما الذي نصنعهُ في عمرٍ نُقصانَهْ في الإزدياد
أنت لا حّيٌ، ولا ميتٌ، ولا أنت علي خطِ الحياد”.
هي معضلة لا تنتهي، معضلة شاعر قدَّر في لحظة وجودية عاشها تحت وطأة الضغط، أنه لا حيٌ، ولا ميت، بل وأنه لم يجد ربما بين معاني الموت والحياة، حتي فسحة صغيرة تمكنه من الوقوف علي خط الحياد، حيث لا حياد.
هي سنوات وهبني ربي خالق الكون ومدبره، الذي بيده سلطان الحركة والسكون، أن أعيشها كلها ثانية بثانية، منذ أن صيَّرني إنسانا، بين ربوع هذا الوطن.
هذا الوطن “السودان” الذي لم أبت ولو لليلة واحدة تحت سماء غير سمائه، ولم يغش عيني الكَري بارضٍ سوي أرضه.
إقامتي بثراه هي كل عمري، بلا زيادة ودون نقصان.
رئتاي لم تجربا لأكثر من ستة عقود، تنفس ذرة هواء خارج طقسه.
جوفي لم تدخله قطرة ماء سوي من نيله، أو من سمائه، أو من باطن أرضه.
لم تحدثني نفسي يوما بهجره، علي فقره وبؤس حاله، ومع قلة حيلتي، ورقة حالي.
فأسألوا معي يا أصدقائي ربي وربكم: أن يبقيني في هذا السودان الي خواتيم عهدي بالحياة، وأن يحسن عاقبتي ومثواي علي ثراه، وأن يقبضني فيه، وان يحشرني منه، مع اؤليائه، وأهله الأصفياء الأنقياء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى