الجميل الفاضل.. يكتب.. (عين علي الحرب) العالم بين صدمة اليوم، وإنبهار أمس؟!
القاهرة : ترياق نيوز
لطالما أنهم قد بدأوا رحلة الصعود الي الهاوية، فإن وتيرة العنف “الإخواني” المتنامي لن تتوقف، بل أن ما هو أدهي وأمر لا محالة واقع.
بل أتصور أن العالم لن يفوق من صدمة ولاية الجزيرة، الا ليقع في صدمة اخري، في مكان آخر بأرض السودان.
فالأمم المتحدة التي عبرت أمس عن “صدمتها” إزاء تقارير عن “عمليات قتل على أساس إثني” في ولاية الجزيرة بوسط السودان، مطالبة بفتح تحقيق في الأمر.
الذي قال عنه مكتب حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية على منصة “إكس”، الأربعاء: “نشعر بالصدمة إزاء المعلومات الواردة عن عمليات قتل على أساس إثني لمدنيين في ولاية الجزيرة” في وسط السودان.
إن العالم المصدوم اليوم، هو ذات العالم، الذي إنبهر أمس أيما إنبهار، بأرفع نماذج سلوكية، جسدها الثوار السلميون وقائعا علي الأرض في أعظم ثورة شهدها هذا القرن مثلت آخر نسخة من ثورات السودان السلمية الثلاث.
فقبل نحو خمس سنوات تقريبا، كان السودان نفسه ملأ السمع والبصر، تجري سيرته بكل فخر وإعتزاز علي كل لسان، يلهج بالتقريظ والثناء علي ثواره السلميين في مشارق الأرض ومغاربها.
لكن هذا السودان وطن هذه الثورات الباهرة، لهو الآن في طريقه نحو الهاوية، ولأن يصبح محلا صادما للعالم، مفجعا ومروعا، بأعمال في غاية الوحشية ترتكبها هذه الطائفة الغريبة من أهل السودان، التي كانت مناط تساؤل الروائي الطيب صالح “من أين جاء هؤلاء”.
فالسودان بسبيله اليوم لأن يصبح معملا نشطا لنماذج من عمليات ضرب الحق بالباطل، ولكيف يمكن أن تكون نهاية ضرب الأول بكامل قوته علي الثاني، هي دمغ هذا الأخير بصورة حاسمة لا لبس فيها، تمهد لخروج السودان من حالة تيه أمتد لنحو أربعين عاما، لا يقل عن تيه بني إسرائيل.
فما حدث في ود مدني علي أية حال لم يحدث من فراغ، ولم يحدث بمحض صدفة، كما انه لا يمثل في الواقع صورة حوادث فردية متفرقة لا رابط بينها.
إذ أن ما حدث هو في الحقيقة نتاج طبيعي لمنهج ولتربية، ولحالة نفسية ومزاجية، قد إستبدت بهؤلاء السفاحين القتلة، فأستبدوا علي الناس كما نري.
اولئك الناس الذين يحتار بعضهم في طريقة وأدوات القتل، التي تفضل إستخدامهما ما تعرف بكتائب العمل العدائي الخاص، خلال هذه الحرب.
فمن واقع التجربة نجد أن كل مدرسة “كتائب الظل” بفروعها العديدة، لا تميل كثيرا الي إعتماد البندقية هذه الآلة العجفاء، الناجزة والسريعة جدا في القيام بمهام التصفية والقتل بدقة ونجاح، إذ أنها لهذه العلة ذاتها، علة السرعة في الإنجاز، ربما لا تروي هي ظمأ المتعطشين لرؤية الدماء غزيرة تنساب، ولمتعة التلذذ السمعي باستجداءات المتذللين، وبأصوات الصارخين المتألمين، وبأنات وآهات المعذبين، وبل وحتي بحشرجات الموتي لحظة مفارقة الروح.
فاللجوء للشنق والذبح والحرق والرمي في الأنهار، أفعال ليس غايتها في نهاية الأمر مجرد قتل الضحايا وإنهاء حياتهم لأجل الخلاص من خطر وجودهم الضار والمزعج كأعداء، أو كمتعاونين مع الأعداء.
فعذاب ما قبل الموت، بطريقة مؤلمة هو بحد ذاته غاية، تشفي صدور قوم مؤمنين، لا شفاء لهم ولو للحظة سوي بجرعة يستحصدونها علي هذه الطريقة السادية القاسية.
والتي ربما لا يكتفون حتي بمجرد متعتها اللحظية العابرة، بل يقومون بتوثيقها تصويرا وعرضا علي الأحياء الآخرين الذين لم تطالهم بعد، يد هذه الكتائب الباطشة.
فالصدمة والرعب والترويع، هي أيضا من أهداف تسجيل وبث مثل هذه الفيديوهات المرعبة، لكي يرهبون بها “عدوهم” الذي هو عدو الله بالطبع.
إذ أن أدبيات هذه الجماعة تفترض أن أي عدو لها، هو عدو لله، ضربة لازب.وأن عداوته لله هذه تملي عليهم هم أنفسهم بالضرورة واجب مقدس، هو أن يرهبون هذا العدو المشترك لهم ولله، كما ينبغي.
وأن إرهابه هو أمثاله لن يتأتي، لو أنهم قتلوه كعدو لهم ولله، من “سكات”.
فلابد أن يشهد عذابه طائفة من المؤمنين بهذا الأمر، علي هذه الشاكلة والطريقة علي بشاعتها وغرابتها في النهاية.
فنحن أمام كائنٍات مُتوحشٍة، مُتعطشٍة للدماء، تقطعُ الرؤوس، وتبقرُ البِطونَ، وتأكل الأكباد والأحشاء.
تأخذ الناس بمجرد شبھات، ليصبح الإنتماء لجھةً، أو لعرق، سبب يكفي لوضع أي مدينة، أو قرية، أو بادية، أو “كمبو”، ضمن بنك أھداف القصف الجوي أو المدفعي، أو حتي لذبح فتي من الوريد الي الوريد “كرامة” للإنتصار في مدني، أو لحرق آخرين في مدينه بحري حشروا داخل إطارات سيارات قديمة قبل إشعالها، أو برمي شاب أعزل من أعلي كبري حنتوب في النيل ثم إطلاق النار عليه، أو حتي ببقر بطن سيدة لاستئصال جنين من رحمها، فقط لشبهة أن أبوه المحتمل، مصنف كعدو في هذه الحرب.
ذلك فضلا عن أن ھذه الحرب برمتها قد أكدت الآن بما لا يدع مجالا للشك، أن إسلاميو السودان لا يرغبون، ولا يعترفون نهائيا بأي حل يمكن أن يفضي لسلام، وأن حمل السلاح قد أصبح هو بالنسبة لهم سبب وجودي.
إذ أن واقع الحرب قد فرض علي الإسلاميين، الخضوع لمعادلة شبيھة بالمعادلة الإسرائيلية، التي أوجزتھا “جولدا مائير” رئيسة حكومة دولة الكيان الصھيوني السابقة بوصف يقول:
“إذا القي العرب أسلحتھم اليوم، فلن يكون ھناك مزيدا من العنف، اما إذا القي اليھود أسلحتھم، فلن تبقي اسرائيل”.
وھكذا فلو أن الحرب وضعت اليوم أوزارھا دون نصر كامل للجيش، فإنھم يخشون الا يبقي ھنالك ما يسمي بتنظيم “الحركة الاسلامية” وواجھاته، وأذرعه الاخطبوطية، المتمددة في شعاب الدولة كلھا.
إنھا إذاً معادلة وجودية بمعني الكلمة، أضحي فيھا إستمرار الحرب بمثابة الأوكسجين، الذي تتنفس من خلاله ھذه الحركة الإخوانية، لتبقي حتي ولو علي بصيص أمل ضئيل في عودتھا للحكم، ومن ثّم للحياة كما تريد.