الجميل الفاضل .. يكتب .. عين علي الحرب .. أسئلة ضد النسيان؟!
يقول إروين شتراوس، طبيب الأعصاب العالمي: “نحن قادرون على طرح الأسئلة لأننا كائنات مفكرة تميل إلى التساؤل بطبيعتها”، وفي مقال له بعنوان “الإنسان كائن متسائل”، يضع شتراوس حُججاً قويةً لفهم الإنسان بصفته “حيوان متسائل”.
مشيرا الي أن التساؤل يجعلنا أكثر قدرة على حل المشكلات.
وينبه العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين الي أنه لا ينبغي أن يكون الهدف من وراء طرح الأسئلة هو الوصول إلى إجابات، بل حل المشكلات.
ويمضي أينشتاين الي القول: لكي نحل معضلات عالمنا الغامض، يجب أن نقاوم إغراء التعجل في الوصول إلى إجابة.
وفي كتابه “الإنسان كائن متسائل”، يقول شتراوس نفسه: “إن الأسئلة كاشفة مثل الأحلام، أو أكثر”.
ولا أعرف بالطبع تساؤلا، ظل يتردد صداه علي مدي السنوات، كسؤال أديبنا الراحل الطيب صالح، القديم المتجدد، “من أين جاء هؤلاء؟”، والأسئلة الأخري التي تناسلت عنه، قائلا تحت ذات العنوان: “ألا يحبّون الوطن كما نحبّه؟، إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه، ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه؟”.
ثم سؤاله الإستنكاري عن واقع سودان الأنقاذ: “من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله، وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟”.
والي أن يبلغ الطيب صالح بتساؤلاته سدرة منتهي “الأخوان المسلمين”، قائلا: “أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين، خلافة إسلامية سودانية، يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟”.
بيد أن سيل هذا النوع من التساؤلات الحائرة لم يتوقف علي الروائي الراحل الطيب صالح.
بل أن مؤلفا وكاتبا شهيرا أخر، هو الأستاذ فتحي الضو، كان قد أطلق وآبلا إضافيا من أسئلة حيري أخري عن “الاخوان المسلمين” قائلا: “لماذا هم يشكلون أغرب وأسوأ ظاهرة طرأت على الحياة السودانية وأورثتها شططا؟.
ولماذا هم فاسدون حتى النخاع حينما ينبغي أن يكونوا من الأطهار؟.
أوليس لهم عقول تعي أم أنها أُستُلبت؟.
أوليس لهم ضمائر حية أم أنها وئدت؟.
ألا يبصرون أم أن قلوبهم عُميت؟.
بيد أن المتسائل فتحي الضو حاول إيجاد تفسير للظاهرة الإخوانية إتكاءا علي العلم، بقوله: “حسب منظور علماء النفس فالأفراد الذين تمور في صدورهم مشاعر سوء النية، وخبث الطوية، يعمدون إلى فرض آرائهم عنوة على المجتمع نتيجة إحساسهم بالدونية.
لكن ذلك أمرٌ لن يتأتى إلا بنشر السلوكيات السالبة بين الناس، كالحقد، والكراهية، والشحناء، والبغضاء، والنفاق، والحسد، وهلمجرا”.
ثم يعود الضو للتساؤل: “لماذا يجد (الأخ المسلم) سعادته في خلق الفتن، وإشعال الحروب، وهواية سفك الدماء؟”.
والي أن يستطرد بسؤال يقدح الذهن قائلا: “هل تجد من بينهم فناناً يغني للحب، والحياة، والجمال؟.
هل شاهدتم تشكيلياً فيهم يغازل بريشته رسماً يفجر الأحاسيس الدفينة في النفوس؟.
هل سمعتم شاعراً منهم قال كما قال العباسي: (فعلموا النشء علماً يستبين به/ سبل الحياة وقبل العلم أخلاقاً)؟.
هل رأيتموهم في المسارح والمعارض ودور السينما يضحكون ملء قلوبهم بلا ضغائن، ولا أحقاد، ولا كراهية؟.
بل هل شاهدتم غيرهم ينشد ويطرب لإراقة الدماء؟.
هل حدثونا يوماً عن الحضارة الكوشية، والدولة النوبية، والمملكة المروية، وما شيده عظماؤنا الأوائل بعانخي، وتهراقا، وأماني تاري، وسائر الكنداكات؟.
والي أن يقول فتحي الضو:
“يا أيها الفاسدون، الناهون عن المعروف، والآمرون بالمنكر، والناعقون كبوم الشؤم، قليل من الحياء يكفي.
لقد سودتم، وأفسدتم، ونكدتم، حياة أهل السودان، وما تزالون في غيكم تعمهون.
فلماذا لا تغربوا بوجوهكم حتى يعيش الناس الحياة الكريمة التي حلموا بها؟.
ألم يكفكم العذاب الذي سومتموه لهم وأحال حياتهم لجحيمٍ لا يطاق؟.
لماذا تضمرون ما لا تظهرون؟.
لماذا تمتليء قلوبكم بكل هذا القبح، والقيح، والعفن؟.
وفي الحياة متسع للخير والأدب، وسمو الأخلاق؟.
لماذا تملأون الحياة بالأكاذيب، والأباطيل، والإحن؟.
لماذا تبذرون البغضاء، وتزرعون الكراهية، رغم جنيكم الحصرم؟”.
المهم فإن هذا الواقع المنهار الذي نعيشه، أحوج ما يكون الي حلول عميقة جدا، وأن هذه الحلول العميقة لا يمكن أن تخرج إلا من رحم اسئلة عميقة هي أيضا، وأن تلك الأسئلة العميقة لا يمكن أن تصدر سوي من عقول حرة منفتحة، علي ثقافة السؤال بمعناها الواسع والعميق.