زهير عثمان .. يكتب.. بيان القوى المدنية – وحين يغيب وضوح الرؤية ويتباطأ الحراك !
تمر الأوطان بأزمات تتطلب استجابة سريعة، وقرارات حاسمة، وقوى سياسية ومدنية تمتلك إرادة شعبية وقدرة على الفعل المؤثر. ومع استمرار الأزمة السودانية الراهنة، يتجلى ضعف القوى المدنية في مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالبلاد، وهو ضعف يتجسد في بيانات باهتة ومواقف مترددة تعيد طرح الأسئلة حول مدى فاعليتها وارتباطها بتطلعات الشارع.
غياب الوضوح في الخطاب المدني ويبدو أن الكثير من البيانات التي تصدرها القوى المدنية تخاطب جمهوراً افتراضياً بدلاً من الشعب السوداني الحقيقي الذي يعاني يومياً من ويلات الحرب والتشريد. ففي الوقت الذي يحتاج فيه الناس إلى مواقف جريئة ورؤية واضحة، نجد الخطاب غارقاً في العبارات العامة والمواقف الرمادية التي لا تُحدّد المسؤوليات بشكل مباشر ولا تقدم حلولاً عملية للأزمة.
بطء الحراك وضعف التنسيق وعلى الرغم من مرور شهور طويلة منذ اندلاع الحرب، لا تزال القوى المدنية تتحرك بوتيرة بطيئة تفتقر إلى المبادرة الاستباقية. إن ضعف التنسيق بين مختلف الأطراف المدنية وانعدام استراتيجية واضحة للعمل المشترك يزيدان من تعقيد الوضع ويقللان من فرص تحقيق السلام أو أي تحوّل ديمقراطي حقيقي.
التركيز على التنظير بدل العمل الميداني , ما يثير الاستياء أكثر هو ميل بعض القوى المدنية إلى الانشغال بالتنظير والمزايدات الفكرية بدلاً من النزول إلى أرض الواقع حيث يوجد المواطنون المتضررون. فبينما تنتظر الجماهير خطوات ملموسة، تجد القوى المدنية مشغولة بصراعاتها الداخلية أو بمحاولات إثبات تفوق فكري بين أطرافها المختلفة.
النقد كخطوة نحو التصحيح ومن المهم أن ننتقد هذا الأداء ليس للإقصاء أو التشكيك، بل بهدف التوجيه والإصلاح. ينبغي على القوى المدنية إعادة النظر في استراتيجياتها، والاعتراف بمواطن القصور، والعمل على وضع خطط أكثر فاعلية لمواجهة التحديات.
• عليها أن تعتمد خطاباً مباشراً يحمل رسائل واضحة وصريحة.
• يجب تكوين منصات تنسيقية فعالة تجمع مختلف الأطراف المدنية تحت رؤية موحدة.
• كما يتطلب الوضع الحالي النزول إلى الشارع والعمل ميدانياً مع المتضررين، وليس الاكتفاء بعقد الاجتماعات المغلقة أو إصدار البيانات.
لا يمكن للقوى المدنية أن تتحدث عن بناء مستقبل أفضل بينما تفشل في تقديم حلول عملية في الحاضر. الأزمات الكبرى تحتاج إلى أفعال حقيقية تتجاوز مجرد الكلمات، وإلى قيادات شجاعة تحمل راية التغيير بصدق وإخلاص. إن استمرار القوى المدنية في تبني المواقف المترددة قد يفقدها ثقة الشارع، وهو ثمن لا يمكن للأمة تحمّله في هذه اللحظة الحرجة.
*تحليل سياسي للبيان الختامي لتنسيقية “تقدم” (3-6 ديسمبر 2024)
نقاط القوة
1. التحليل الواقعي للأزمة:
o البيان يقدم تصويرًا دقيقًا وشاملاً للوضع الإنساني الكارثي في السودان، مما يعكس إدراكًا عميقًا لحجم المأساة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
o تضمين أرقام وبيانات مثل أعداد القتلى، اللاجئين، والأضرار الاقتصادية يعزز المصداقية ويزيد من التأثير.
2. أولوية القضايا الإنسانية:
o التركيز على حماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية كأولوية قصوى يظهر التزام التنسيقية بقيم حقوق الإنسان.
o تشكيل آليات خاصة للاجئين والنازحين يعكس اهتمامًا عمليًا بتنفيذ الحلول.
3. رؤية سياسية شاملة:
o البيان يقدم رؤية متكاملة لإنهاء الحروب من خلال ثلاث مسارات (الجبهة المدنية، العملية السياسية، استعادة الشرعية) مما يعكس استراتيجية واضحة وممنهجة.
o الربط بين إنهاء الحرب واستكمال مهام ثورة ديسمبر يعزز خطاب الشرعية الثورية ويجذب قاعدة شعبية واسعة.
4. التأكيد على محاسبة مرتكبي الجرائم:
o مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتوسيع ولايتها يشير إلى الالتزام بالعدالة الدولية.
o الدعوة لإيقاف خطاب الكراهية والعنصرية تعكس توجهًا نحو تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
5. تنظيم داخلي متماسك:
o النقاشات التنظيمية الداخلية وتقييم الأداء يظهران مرونة وديمقراطية داخلية، مما يدعم تماسك التنسيقية وثقة أعضائها.
6. إشراك المكونات المختلفة:
o التركيز على إشراك النساء، الشباب، واللاجئين في الهياكل التنظيمية يعزز التنوع ويزيد القبول الشعبي.
7. الخطاب الإقليمي والدولي:
o شكر يوغندا على الاستضافة وتوجيه النداء للمجتمع الدولي يعكس دبلوماسية نشطة تعزز صورة التنسيقية كفاعل مسؤول على الساحة الإقليمية.
نقاط الضعف
1. غياب خطط تنفيذية واضحة:
o على الرغم من تقديم رؤية سياسية وإنسانية شاملة، يفتقر البيان إلى تفاصيل محددة حول كيفية تحقيق هذه الأهداف عمليًا على أرض الواقع.
2. اللغة الانتقادية العالية تجاه الخصوم:
o التركيز على إدانة أطراف الحرب والانقلاب قد يبعد بعض الأطراف الفاعلة التي يمكن التعاون معها لتحقيق السلام.
o الخطاب قد يُفسر كمحاولة لإقصاء عناصر سياسية، مما يزيد من التوترات بدلاً من خفضها.
3. ضعف التوجه الاقتصادي:
o البيان يغفل عن تقديم خطط أو رؤى واضحة لمعالجة الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي أوردها، مثل البطالة ونقص الغذاء.
4. التبعية للمجتمع الدولي:
o الاعتماد الكبير على المجتمع الدولي والجهات المانحة قد يُفسر على أنه ضعف في القدرة الذاتية على مواجهة الأزمة.
5. خطاب مكرر:
o تكرار عبارات مثل “استكمال مهام ثورة ديسمبر” دون تحديد خطوات عملية قد يفقد الخطاب بريقه لدى الجمهور الباحث عن حلول فورية.
6. ضعف معالجة القضايا العسكرية:
o لم يقدم البيان حلولًا عملية للتعامل مع القوات العسكرية المسيطرة على الأرض، مما يترك فجوة في الرؤية الإستراتيجية.
7. التباين بين الأهداف والطموحات:
o الدعوة لتوحيد كافة قوى الثورة تحت جبهة مدنية عريضة قد تواجه تحديات كبيرة في ظل الانقسامات السياسية الحالية، مما يجعل تحقيق هذا الهدف صعبًا.
التوصيات لتطوير الخطاب السياسي
1. تعزيز الجانب العملي:
o توضيح خطط تنفيذية واقعية لفتح المسارات الإنسانية وتوحيد القوى المدنية.
o تقديم جدول زمني للخطوات المقترحة.
2. المرونة في الخطاب:
o تقليل حدة اللغة الانتقادية تجاه الخصوم السياسيين لتشجيع الحوار وبناء الثقة.
3. توسيع الخطاب الاقتصادي:
o تضمين مقترحات لحلول اقتصادية، مثل خطط لإعادة بناء البنية التحتية وتشجيع المزارعين على العودة للعمل.
4. إشراك القيادات المحلية:
o تعزيز التعاون مع القيادات الأهلية والمجتمعية لتفعيل الحلول في المناطق المتضررة.
5. التواصل الإعلامي الفعّال:
o تطوير استراتيجية إعلامية تسلط الضوء على الجهود المبذولة والخطط المستقبلية، مما يعزز الثقة الشعبية.
الخلاصة
البيان يعكس وعيًا سياسيًا عميقًا بالوضع الراهن وتوجهًا إنسانيًا واضحًا، لكنه بحاجة إلى خطط تنفيذية محددة ولغة أكثر مرونة لإشراك الجميع في الحلول المستقبلية.
zuhair.osman@aol.com