سحر عبدالعزيز .. تكتب .. . ” ومضة ” .. عودة لديار أشباح !
بعد غيابٍ قسري طال، ها أنا ذا أعبر الطرقات التي كانت يومًا تعج بالحياة. العودة إلى الديار ليست كما تخيلتها، فالبلد الذي أعرفه لم يعد موجودًا. أمشي في شوارع كانت بالأمس مزدحمة بأصوات الباعة،

بعد غيابٍ قسري طال، ها أنا ذا أعبر الطرقات التي كانت يومًا تعج بالحياة. العودة إلى الديار ليست كما تخيلتها، فالبلد الذي أعرفه لم يعد موجودًا. أمشي في شوارع كانت بالأمس مزدحمة بأصوات الباعة، ضحكات الأطفال، وروائح الطعام الشهية، واليوم لا أسمع سوى صوت الرياح تعوي بين جدرانٍ محترقة، ولا أرى سوى هياكل مبانٍ شاحبة تروي قصصًا من الرعب.
منزلي الطفولي، ذلك الصرح الذي كان يمثل الأمان والحنان، أصبح مجرد ذكرى مؤلمة. جدرانه منهارة، سقفه محطم، والنوافذ مهشمة. أتلمس حجارةً كنت أعرف مكان كل واحدةٍ منها، فأجدها باردة وغريبة. في كل زاوية، تطل عليّ أشباح الماضي: هناك حيث المقهى الذي كنا نجلس فيه مع الأصدقاء نحلم بمستقبل مزهر، وهنا حيث المدرسة التي كانت تتعالى فيها أصواتنا ونحن نلعب في الفسحة، وفي الساحة التي احتفلنا فيها بالأعياد والمناسبات. اليوم، لم يبقَ من هذه الذكريات سوى غبار يتطاير في هواء ثقيل برائحة الدخان والدمار.
أكثر ما يؤلم هو الصمت، صمت ثقيل يخفي بين طياته أنين آلاف القلوب المكسورة. بلدي لم يمت فقط في مبانيه، بل ماتت فيه روحه. الحياة التي كانت تخفق في شرايينه توقفت، تاركةً جثة هامدة. أعود لأن في قلبي شرارة أمل عنيدة. أقول لنفسي: ربما من تحت هذه الأنقاض يمكننا أن نبدأ من جديد، ربما من هذا الألم تولد إرادة أقوى.
لكن المشهد يصعب تحمله. كيف نبني من تحت كل هذا الدمار؟ كيف نعيد الحياة إلى مكان شبه خالٍ من علاماتها؟ هذه ليست مجرد حرب عابرة، إنها محو متعمد لتاريخ وشعب وذاكرة. بلدي لم يُهزم في معركة، بل دُمر بشكل منهجي، وكأن أحدًا يريد محو وجوده من خارطة العالم والذاكرة الإنسانية.
أكتب هذه الكلمات وأنا جالس على أنقاض منزلي، أنظر إلى السماء نفسها، فوق بلد لم يعد كما كان. العودة إلى ديار دُمرت شبه كليًا أشبه بالوقوف على حافة هاوية، تتساءل: من أين نبدأ، وهل لدينا القوة لنبدأ مرة أخرى؟






