المسافات رحاب إبراهيم تكتب : دسّ المحافير

الشكاوى التي تصل إلينا كصحفيين من المواطنين العائدين إلى حضن الوطن، بعد تهجيرٍ قسري سبّبته الحرب اللعينة التي دفع ثمنها المواطن من ماله ودمه دون أن يكون طرفًا فيها، توجع القلب حتى الإدماء.
فلا يُعقل أن يكون ذلك المواطن البسيط، الذي شيّد منزله بعرق جبينه وجهده ليؤمّن حياة كريمة لأبنائه، ضحيةً لحرب لم يخترها. يأتي الدعامة و اللصوص يسلبونه كل ما يملك، ولم يبقي له سوى التراب. وجد نفسه في قلب الحرب بلا ذنب، فنجا بروحه وأسرته، وأخرجهم إلى برّ الأمان.
اتجه الأغلبية شرقًا نحو مصر، حيث وجدوا الأمان وكرم الضيافة وحسن المعاملة من جيرانٍ صدقوا الجيرة. وبعد أن هدأت الأوضاع في معظم المناطق، لبّى المواطنون نداء العودة، إذ استيقظ فيهم حب الأرض والحنين لتراب الوطن. ورغم التحذيرات والنداءات: لا عودة الآن، فالوضع غير آمن… لا عودة الآن، فالوباء يعمّ البلاد… لا عودة الآن، فالخدمات معدومة والأسعار فلكية، إلا أنّ هذه الأصوات تلاشت أمام مبادرات العودة الطوعية التي أطلقتها جهات عدة وشخصيات وطنية.
عاد عدد لا يُستهان به، محمّلين بالحنين، وقبلوا بفقدان ممتلكاتهم دون مطالبة الدولة بحمايتها، رغم أن ذلك من صميم مسؤولياتها. اعتبروا ما حدث “ضريبة وطن”، وحاول النازحون في مصر أن يبدأوا من جديد، يشترون بعض المقتنيات البسيطة لتعويض ما فقدوه. استخدموا تلك الأثاثات خلال إقامتهم التي امتدت لعامين وأكثر، وحين نُودي إليهم بالمساهمة في إعادة إعمار بلادهم، قرروا العودة بما لديهم من أثاث منزلي مستعمل.
ورغم صدور قرار وزارة المالية بإعفاء المقتنيات المنزلية من الجمارك، فوجئ العائدون بمسميات ورسوم أخرى تتجاوز أضعاف قيمة تلك المقتنيات. فكانت الصدمة قاسية ولسان حالهم يقول : جئنا نُعين في إعمار الوطن، فإذا بالحكومة تكافئنا بجبايات تثقل كواهلنا. ليصدق المثل: “جاؤوا لمعاونته على دفن والده، دس المحافير”.
إنها صرخة لوزارة المالية: كفّوا عن الجبايات التي قصمت ظهر المواطن. ندرك حجم العجز وفراغ الخزينة، لكن المواطن لم يعد قادرًا على تحمّل المزيد.






