السفير الصادق المقلي .. يكتب .. السودان و المحكمة الجنائية الدولية.. هل هو ملزم بتسليم المتهمين بجرائم الحرب ؟ ( 1 _ 2)
َقالت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نزهت شميم خان في إفادتها أمام مجلس الأمن في العاشر من يوليو الجاري

َ
قالت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نزهت شميم خان في إفادتها أمام مجلس الأمن في العاشر من يوليو الجاري، قالت إن محكمة الجنايات الدولية تعتزم اتخاذ خطوات جادة وميدانية لضمان اعتقال المطلوبين لديها وعلى رأسهم الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير والقياديين البارزين أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين.
كشفت شميم خان خلال إحاطة رسمية قدمتها أمام مجلس الأمن الدولي أن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يخطط للقيام بزيارة جديدة إلى السودان خلال الفترة المقبلة مشيرة إلى أن هذه الزيارة ستكون بهدف العمل الجاد والتركيز على تنفيذ أوامر القبض الصادرة بحق المطلوبين الذين لا يزالون داخل السودان
وأوضحت أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعي المحكمة لتحقيق العدالة وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استمرت لسنوات طويلة في ملفات جرائم دارفور وقالت خان، أن مكتب المدعي العام يمتلك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت ولا تزال تُرتكب في إقليم دارفور.
الجدير بالذكر أن المدعي العام للجنائية صرح بأنهم يسعون لكي يتم عل نطاق القرار 1591 لعام 2005 عن حظر تدفق السلاح نحو دارفور ليشمل كل أنحاء السودان
في الحلقة الأولى من هذا المقال نتناول تطور العدالة الجنائية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الي إجازة ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998..
و نتاول ان شاء الله في الجزء الثاني علاقة السودان بالمحكمة منذ مؤتمر روما المشار إليه أعلاه حتى مذكرات التوقيف الدولية في حق البشير و الآخرين و مدي تعاون السودان مع المحكمة، تعاون ملزم بموجب ميثاق روما.
في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية راودت منظمة الأمم المتحدة فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة و العمل على أحداث آليات تعاقدية تعنى بحقوق الإنسان الأساسية و بالقانون الدولي الإنساني الذى يعنى بالحروب و النزاعات فى العالم… الفكرة ولدت من رحم فظائع الحروب العالمية التى راح ضحيتها عشرات الملايين في أوربا و أصاب العديد من المنشآت الدمار و الخراب الذي تم درؤه فيما بعد من بفضل المبادرة الأمريكية المعروفة بخطة مارشال.. فكانت أولى هذه الآليات التعاقدية الملزمة للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.. الإعلان العالمى لحقوق الانسان و اتفاقية منع الإبادة الجماعية و كلاهما فى عام ١٩٤٨…و من بعد ذلك اتفاقيات جنيف الاربع عام 1949 و التى الحق بها فيما بعد البروتوكولات الإضافية الثلاث الاول والثاني عام 1977, تعنى بشئون جرحى و أسرى الحروب…و الثالث عام 2005,الخاص بإضافة إشارة اضافيه..كريستالة تضاف لشارتي الصليب الأحمر و الهلال الأحمر..
. و قد انبثقت من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 هذه فكرة إنشاء محكمة جنايات دولية دائمة كلفت بها لجنة القانون الدولي. كنقلة نوعية فى تطور العدالة الدولية. ..
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها تم من قبل الحلفاء تشكيل محكمتي نورنبرغ في المانيا عام 1945 لمحاكمة الضباط النازيين و محكمة طوكيو عام 1946..و هي محاكم عسكرية ايجازية حيث كان الحلفاء هم الخصم و الحكم. The court of the victors..محكمة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ضد المنهزمين ..
ظروف الحرب الباردة عطلت من عمل لجنه القانون الدولي حتى نهايتها فى عام 1990 .. عند سقوط الرايخ الثالث و استسلام ألمانيا… و شهدت الفترة إندلاع حروب تمت فيها أبادة جماعية فى يوغسلافيا ١٩٩٣ و رواندا عام ١٩٩٤ دفعت مجلس الأمن الدولي إلى إنشاء محكمة خاصة ليوغسلافيا فى لاهاى و أخرى لرواندا فى اروشا كمحاكم غير دائمة. ٠٠٠
و استأنفت لجنة القانون الدولي من بعد ذلك عملها في إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة… و بالفعل عقدت اللجنة ست اجتماعات تمهيدية Prepcoms… أعقبها مؤتمر روما عام ١٩٩٨ للدول الاعضاء في الامم المتحدة..و الذي تمخض فى الاول من يوليو ١٩٩٨ عن اجازة ميثاق روما بأغلبية ١٢٠ دولة و معارضة سبع دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل. و امتناع ٢١ دولة عن التصويت..
تسييس العدالة الجنائية الدولية.
في اعتقادي أن إقحام مجلس الأمن في ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية فيه تسييس للعدالة الدولية. اذ ان المادة الخاصة بالتصويت 27 في ميثاق الأمم المتحدة تحصن الدول دائمة العضوية في في مجلس الأمن ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية..إذ نصت علي ضرورة الحصول على موافقة كل الدول دائمة العضوية علي اي قرار يصدر من مجلس الأمن و عدم اعمال اي منها لحق النقض الفيتو ..و لذلك تم تحصين حليفة امريكا اسرائيل إذ لم يمر تقرير قولدن استون .. من جنوب افريقيا.رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في غزو و حصار إسرائيل لقطاع غزة في عام 2009,,حيث اصطدم عرض التقرير علي مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي رغم أنه اشتمل على جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب في حق إسرائيل و توصية بالإحالة الي المحكمة الجنائية الدولية كما حدث في حالة دارفور لأن اسرائيل ليست طرفا في ميثاق روما.و لعل تصويت كل من روسيا و الصين بالامتناع علي القرار 1593 لعام 2005 الذي احال الوضع في دارفور لاهاي ، ادي الي تمرير القرار…و ما اعقب ذلك عام 2009 الي اصدار مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير و رفاقه..
الولايات المتحده الامريكيه لا تعترف اصلا بالمحكمة الجنائية الدولية. حيث بعد أن وقعت علي ميثاق روما، المؤسس لها ، في إدارة بوش الجمهوريه سحبت توقيعها في عهد كلنتون الديمقراطي…….
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية عملت علي تحصين مواطنيها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتي قبل ٱنعقاد مؤتمر روما 1998 .. حيث خاطب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي رئيس وفد بلاده ،،،قائلا..إن انشاء اي محكمة جنائية دولية دائمة في غياب فيتو امريكي سوف يصطدم برفض لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي….
Any establiment of a permanent international court without a clear US Veto will be dead on arrival at the Senate Foreign Relations Committee
و هذا لعمري أحد أهم عوار النظام الدولي.. one of the main flaws in the international system..
و مرة أخرى حصنت واشنطن مواطنيها و حلفاءها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باستصدارها قرار مجلس الأمن 1422لعام 2002,اى بعد أيام قلائل من دخول الميثاق حيز النفاذ. و ذلك في ابتزاز للمجتمع الدولي حيث كان يومها تمديد بعثة حفظ السلام في البوسنة والهرسك … حيث هددت واشنطن بإيقاف مساهماتها في تمويل بعثات حفظ السلام.
..و لذلك فإن واشنطن تأخذ القانون الدولي ..كما تأخذ المؤسسات المالية الدولية بيدها ..شاء من شاء و ابي من أبي …و لا غرو فالولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بوجودية ما يسمى بالمجتمع الدولي…و ذلك ما تجلي في تصريح لوزير الخارجية الأسبق قونزاليزا رايس ..I quote. ( The foreign policy of the USA proceeds from the firm interests of the USA and not from the interests of an illusory international community…
فضلا عن أن هناك اتهامات و انتقادات طالت المحكمة من حيث تسييسها باقتحام مجلس الأمن في إجراءاتها و بحصر ملاحقاتها القضائية بصفة عامة في افريقيا… حيث تعالت الأصوات في داخل الاتحاد الافريقي بالانسحاب منها ..و من حيث غضها النظر عن FC من القادة في امريكا و اوروبا من شاركت بلدانهم في حروب خارجية ارتكب فيها جنودهم جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ،كما هو الحال لتوني بلير و بوش في العراق..فضلا عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و للقانون الدولي الإنساني في سجون ابوغريب في العراق و معتقل غوانتانامو…كما أن المحكمة تفتقر إلى آليات ملاحقة للجناة و تعتمد في تمويلها علي الدول الأطراف.. فضلا عن أن دولا تشكل ثلثي دول العالم مثل الصين و روسيا و الهند و امريكا و اندونيسيا ليست بأطراف في ميثاق روما المؤسس لهذه اى الدولية..و دونكم الكثير من مذكرات التوقيف الدولية التي لم يكن لها ما بعدها.
لكن هذا َ العوار في العدالة الجنائية الدولية لا تعفي الدول الأطراف و غير الاطراف من التزامها بميثاق روما.. فحتي الدول غير الاطراف ينبغي عليها الإمتثال لقواعد العدالة الجنائية الدولية.. بإعتبارها عضوا في الامم المتحدة ، كما سنري لاحقا في الحلقة الثانية من هذا المقال.










