الجميل الفاضل .. يكتب ..”عين على الحرب” ..ظاهرة الفرز الأثني، والتمايز المناطقي!

في السودان الآن، أينما وليت وجهك كل شيء قابل للإنفجار.
لوحدها، ومن داخلها تنفجر هنا الأشياء دون مقدمات، تفك إرتباطها مع بعضها البعض بأيدي ملساء ناعمة، أو حتي بأسنان حمراء مدججة، بأضراس طاحنة، وبقواطع حادة.
لتتلو كل إنفجار كبير وقع، سلسلة إنفجارات أخري تتبع، أصغر حجما تصدر عن فتافيت وذرات الجسم الأكبر الذي تداعي فإنفجر، وهكذا دواليك تتوالي الإنفجارات تتري، كأنما حريقا قد شب بمخزن بارود.
يختلط فيه الحابل بالنابل، فلا هُنا إلا هُناك، ولا هُناك سوى هُنا أيضا.
بل أتصور أن ميكانزمات داخلية نشطة، لا زالت تتفاعل من خلالها طاقات تدميرية هائلة، هي التي ستحمل بجوفها كثيرا من بذور الفناء لكثير من مكونات السودان الذي نعرفه.
كما يمكن القول: إن ما يعتمل عبر هذه الميكانزمات سيقود عاجلا أو آجلا، لتصدعات أشد ولإنهيارات أكبر، يمكن أن تفضي في النهاية الي مزيد من تجزئة كل مجزء، ولتقسيم أدق لكل ما صار هو بالفعل مقسم.
وبالطبع ما إنهيار تحالف “تقدم” سوي مؤشر صغير، لأن جرثومة الإنقسام والتشرزم، من شأنها أن تطال حتي التحالفات المرحلية السلمية المرنة، ناهيك عن الأجسام المسلحة أو المؤدلجة الصارمة، التي تتظني إمتلاكها لحلول غير قابلة للنقاش، أو لحقائق مطلقة ولأفكار صمدية لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.
لكن قد بدا لافتا أيضا، أن أهل السودان قد أوغلوا بعيدا وبغير رفق، في رحلة إياب متسارعة الخطي، مع جنون حالة الفرز والتمييز المحموم التي عززها واقع الحرب، نحو التكمش بحواضنهم الإجتماعية، والتحوصل داخل مكوناتهم الأولية، بإتخاذهم الإثنية والقبلية والمناطقية، معيارا أساسيا للإصطفاف، ومحددا رئيسيا تنبني عليه كل المواقف سياسية أو غير سياسية، مع هذه الجهة أو ضد ذاك الطرف.
علي أية حال هي ظاهرة قد بدت ملامحها في البروز من خلال الانقسامات الأخيرة في التحالفات، بمثلما أنها ستلقي بظلالها كذلك حتي علي تماسك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني القائمة، بيد أن الأدهي وأمر هو أن تمتد ظاهرة الفرز والتمايز، والإنحياز القائم علي الأساس الأثني والقبلي والمناطقي، الي المكونات العسكرية التي تحمل السلاح.
ليصبح لسان حال الجميع يومها، قول: دريد بن الصمة:
“وما أنا إلا من غزية،
إن غوت،
غويت.
وإن ترشد غزية،
أرشد”.