زهير عثمان.. يكتب.. الفنون والإسلام في السودان- معركة الجمال أمام عقول التحجر!
لطالما كان الفن، في كافة أشكاله، جزءاً لا يتجزأ من الحضارات الإنسانية، ولم يشذ الإسلام عن ذلك، بل كان مناراً يُنير طريق التعبير الإنساني الراقي، ليصب في خدمة القيم النبيلة والارتقاء بالذوق البشري. مع ذلك، نجد أن هناك من يروجون لفكرة أن الإسلام ضد الفنون، خصوصاً الرقص، ويُلبسون الإسلام ثوباً من التحجر والتقيد الذي يرفضه جوهر الدين نفسه.
الإعلان عن الورشة والهجوم العنيف
جاء الإعلان عن الورشة كفرصة مجانية، تُقام في دار اتحاد تجمع الفنانين السودانيين بمصر، مع التأكيد على الالتزام والجدية خلال الأيام الأربعة للبرنامج. إلا أن هذا الإعلان قوبل بهجوم شرس وغير مبرر من بعض التيارات التي نصّبت نفسها وصيةً على الأخلاق والقيم.
لم يتوقف الأمر عند النقد، بل تعداه إلى اتهامات مباشرة لي ولفريق العمل، وصلت إلى التطاول الشخصي. قالوا إن هذه المبادرة “فسادٌ للقيم” و”خروجٌ عن الدين”، ونسوا أو تناسوا أن الإسلام دين يُشجع على الإبداع والارتقاء بالفرد والمجتمع.
الرقص المعاصر: فن راقٍ لا تُدركه العقول المتحجرة
الرقص المعاصر ليس مجرد حركات، بل هو لغة عالمية تُترجم المشاعر والأفكار. هو مساحة للتعبير الحر الذي يُساعد الشباب على فهم أنفسهم، والتواصل مع العالم من حولهم.
لقد قدمتُ هذه الورشة كوسيلة لترسيخ ثقافة فنية ترتبط بالجمال والإنسانية، لا لتدمير القيم كما زعموا. ولكن يبدو أن بعض الأصوات لا ترى في الفنون إلا تهديداً، لأنهم لا يفهمونها، أو لأنهم يخشون كل ما هو جديد ومختلف.
الإسلام دين الجمال والإبداع
التاريخ الإسلامي زاخر بالفنون، من الشعر والموسيقى إلى الخط العربي والرقص الشعبي. النبي محمد ﷺ نفسه أقرّ مظاهر الفرح التي تخللتها أشكال من الرقص والغناء، كما حدث مع الأحباش الذين كانوا يرقصون في المسجد.
الإسلام لم يُحرم الفنون إلا إذا خالفت القيم الأخلاقية أو أضرت بالمجتمع. أما ما يُعزز الروح، ويُعبر عن الجمال، فهو مُرحب به في الشريعة.
الهجوم على الفنون و سفاهة الجهلاء
الهجوم الذي تعرضتُ له يكشف عن تناقضات كبيرة في خطاب بعض من يُنادون بحماية “القيم”. هؤلاء أنفسهم هم الذين أشعلوا نيران القبلية والحروب الأهلية، وساهموا في تفكيك المجتمع السوداني بقيم جاهلية تعود بنا إلى الوراء.
لقد كان أولى بهم أن يُصلحوا ذات بينهم، ويُطفئوا لهيب الفتن، بدل أن يُهاجموا مبادرة ثقافية تهدف إلى بناء الإنسان.
الفنون في الإسلام هل يعرفون هذه الحقائق تاريخية
منذ فجر الإسلام، أُعطيت الفنون مكانة سامية. فقد استمتع الصحابة بالإنشاد والشعر، واحتفى النبي محمد ﷺ بجمال الصوت حين سمع حسان بن ثابت يُنشد مدحاً للإسلام. كما أبدى النبي تسامحاً عظيماً تجاه الأنواع المختلفة من الفنون الثقافية والاجتماعية التي لا تتعارض مع القيم الإسلامية، مثل الألعاب الشعبية والرقص في المناسبات.
روى الإمام البخاري في صحيحه أن الأحباش كانوا يرقصون في المسجد ويقولون: “محمد عبد صالح”. فهل منعهم النبي؟ على العكس، أقرّهم وشجعهم، وأتاح للسيدة عائشة أن تشاهد ذلك وتستمتع به
الرقص بين الإبداع الإنساني والروحانية
الرقص، كوسيلة للتعبير الإنساني، يمكن أن يكون أداة راقية للتواصل مع الذات ومع الآخرين. هو لغة عالمية تنقل المشاعر والأفكار، ويستطيع أن يجسد القيم الإنسانية مثل السلام، الحب، والتسامح.
إطلاق ورش لتعليم الرقص المعاصر للشباب والشابات، كما فعلتُ في القاهرة، كان يهدف إلى تمكينهم من التعبير عن أنفسهم في إطار ثقافي وإنساني راقٍ. مع ذلك، واجهتُ هجوماً شرساً من بعض من يُدعون “حراس الأخلاق”، الذين لا يرون في الفن إلا ما يوافق أهواءهم.
تضليل المضللين شاهت الوجوه
شاهت الوجوه , إلى أولئك الذين اختاروا الهجوم والتضليل، أقول , “الفنون هي طريقنا لتضميد جراح الوطن، وأنتم غارقون في إشعالها.”
سنواصل دعم الإبداع بكل أشكاله، وسنظل ندافع عن حق الشباب والشابات في التعلم والتعبير. الفنون ليست عدو الإسلام، بل هي انعكاس لجمال هذا الدين الذي يحث على التفكير والإبداع.
دعونا نرتقي معاً نحو غدٍ أكثر إشراقاً، حيث يكون للفنون دورٌ في بناء مجتمع متسامح، لا تُحكمه عقول متحجرة ولا تُسيّره أهواء جاهلية.
هؤلاء المضللون الذين يهاجمون الفنون يدّعون أنهم حماة الدين، بينما هم في الحقيقة يقفون حجر عثرة أمام تطور المجتمعات الإسلامية. تطاولوا على مبادرة ورشة الرقص المعاصر بدعوى أنها ضد القيم الإسلامية، بينما هم أنفسهم من يُشعلون نيران الحروب الأهلية، ويسكبون الزيت على لهيب القبلية والعنصرية.
أليس من الأولى أن ينشغل هؤلاء بإطفاء نار الفتن التي أشعلوها بقيم الجاهلية، بدل أن يهاجموا الفنون التي ترقى بالإنسانية؟
الإسلام والفن انسجام لا تعارض
الإسلام دين الحياة، يدعو للجمال والإبداع، ولا يمنع من الفنون إلا ما كان هادماً للقيم الإنسانية أو مسيئاً للعقيدة. تاريخ المسلمين حافل بالإبداع الفني، من الخط العربي والزخرفة إلى الموسيقى والشعر وحتى الرقص.
الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” أقرّ بأن السماع والرقص يمكن أن يكونا وسيلة لتقوية الروح، إذا كان الغرض منهما خيراً وارتقاءً.
رسالة للمضللين
لكل من يهاجم الفنون، أقول شاهت وجوه الجهل والتعصب! لن تُطفئوا نور الإبداع الذي يشع من قلوب شبابنا وشاباتنا. وكما قال الشاعر ,ألا يا ليلُ ما ضاقت دروبُ الحقِّ إلا في عيونِ الظالمينْ
إنما الفنون مرآةٌ للروح، ولن يكون الإسلام عدواً للمرآة التي تعكس جمال النفس البشرية.
*دعونا نبني وطناً تُشرق فيه شمس الإبداع، لا أن نتركه غارقاً في ظلام الجهل الذي يغذيه تجار الدين وأرباب المصالح الشخصية.