اعمدة

دكتور . أحمد عثمان عمر.. يكتب.. في ذكرى الثورة، دروس مستفادة من الحرب!!

(١)
مرت علينا قبل ايام ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، وفاجأت الجماهير المتمسكة بثورتها الجميع بمسيرة ثورية من قلب العاصمة المحتلة من قبل المليشيا الارهابية، ومن مواقع انطلاق المسيرات بقرب مستشفى الجودة. رددت المسيرة شعارات الثورة، وتحدت طرفي الحرب، وأكدت أن جذوة الثورة مشتعلة. وبالطبع لم تكن هذه المسيرة معزولة، بل واكبها وسبقها حراك جماهيري ومسيرات في نيالا ومدن أخرى، رافضة قصف المواطنين بالطيران ومتحديا رغبة طرفي الحرب في قمع الحراك الجماهيري. صحيح ان معظم هذا الحراك في الشارع تم تحت سقف لم يدخل في تحد مباشر بالهتاف ضد سلطة الامر الواقع في كل منطقة حدث فيها، وبدا للبعض بأنه مدبر من قبل الجيش المختطف أو الجنجويد، لكنه يشكل تحديا بكل تأكيد لسلطة طرفي الحرب. فمجرد الخروج للشارع بشعارات تنتمي إلى الثورة، يؤسس لاستعادة شارع ثوري لعافيته، ويهزم مخطط سلطتي الأمر الواقع غير الشرعيتين، الرامي لطرد القوى المدنية وتجريف الخارطة السياسية. خصوصا وأن هذه المسيرات، تزامنت مع تحدي مباشر فردي من قلب الجامع الكبير ببورتسودان من مواطن هاجم طرفي الحرب، وخطاب تمرد اصبح متكرر من افراد في شرق السودان وشرق الجزيرة. والدرس المستفاد من ذلك، هو أن الحرب التي أشعلت للحفاظ على التمكين واستعادة سلطة الحركة الاسلامية المجرمة كاملة بعد خروج المليشيا الارهابية عن طاعتها، فشلت وستفشل مجددا في هزيمة الثورة وتصفيتها، وأن الشارع مهما طال الزمن او قصر، سيستعيد عافيته، على عكس اوهام من اشعلوا الحرب ومن يرغب في الوصول إلى تسوية معهم، تحت سقف مشروع المجتمع الدولي. وهذا هو اول الدروس المستفادة من الحرب.

 

 

 

(٢)
الدرس الثاني هو أن طرفي الحرب مصرين على التمادي في ارتكاب الجرائم وقتل المواطنين بلا رحمة، بالرغم من فشل هذا النشاط في ايقاف المواطن عن المطالبة بوقف الحرب، طمعا في ترسيخ اليد العليا للطرفين المتحاربين، واخراج المواطنين من دائرة الفعل السياسي. فالمليشيا الارهابية مازالت ترسل مسيراتها – ان صح انها من ترسل- إلى مناطق سيطرة الجيش المختطف، وتمارس القصف والتدوين العشوائي للمواطنين في تلك المواقع، وتهاجم القرى حتى في اماكن لا توجد فيها قوات للجيش المختطف لتهرب تحت دعاوى الانسحاب، بهدف السرقة والنهب والقتل وتشريد المواطن، والهجوم على بعض قرى دارفور مؤخرا مثال لذلك. والجيش المختطف والمليشيات التابعة له سواء كانت إسلامية أو من مليشيات اتفاق جوبا الانتهازية، يمارسون القصف بالطيران لمناطق سيطرة المليشيا الأرهابية، ولا يكتفون بقتل المواطنين في الاماكن التي تعتبر حواضن للخصم فقط، مثل هجوم المليشيات الانتهازية على منطق الزرق في دارفور التي تعتبر منطقة اهل قيادة المليشيا الارهابية، ومثل قصف الطيران الحربي المتكرر لإحياء نيالا بل وقصف حي المزاد ببحري وقتل عدد كبير من المواطنين. والواضح ان هذا الاستهداف والاستهداف المضاد، لم يتم توجيهه لتجمعات عسكرية، ولا كان اثر معركة بين الطرفين، ولكنه هجوم واضح ومتعمد ضد المواطنين الآمنين والبسطاء كمزارعي قرى دارفور البسطاء، في تأكيد واضح ومباشر بأن هذه الحرب موجهة ضد المواطن السوداني من اعدائه في الطرفين.

 

 

 

 

 

(٣)
الدرس الثالث هو فشل الحل العسكري في تثبيت سلطة الامر الواقع غير الشرعية في بورتسودان، والتي فشلت في الحصول على اعتراف دولي بها كسلطة شرعية ظلت تستقبل ممثلين ومبعوثين للدول لا سفراء مقيمين، وظلت معزولة في كل المنظمات والمحافل الدولية. والان اصبحت تتهددها محاولات ظهور وخلق سلطة موازية كحكومة للمليشيا الارهابية فشلها حتمي وعجزها باد حتى قبل تأسيسها. وهذا يؤكد أن الحرب فشلت في تحقيق هدفها الاول وهو حماية التمكين، واستعادة فرض الحركة الاسلامية كسلطة حاكمة بقوة السلاح. كذلك يؤكد ان الانتصار العسكري الواسع للمليشيا الارهابية، لم يمكنها من فرض نفسها كسلطة لها ذراع تنفيذي وحكومة تسير شئون المناطق التي احتلتها، في تأكيد واضح لعجزها عن التحول من مليشيا إرهابية لدولة، تماما كما كان يردد الثوار”مافي مليشيا يتحكم دولة”. وهذا يعني ان الحرب لم تكسب ايا من طرفيها شرعية، وان الشارع قادر على حجب هذه الشرعية، ومنع الطرفين من تحقيق اهدافهما من الحرب. لذلك المقدمة لايقاف الحرب هي حجب الشرعية عن الطرفين، وعدم الاعتراف بسلطتيهما المفروضتين بقوة السلاح، وعدم الانخراط في حربهما بأي صورة من الصور.

 

 

 

(٤)
الدرس الرابع هو أن طرفي الحرب لن يكتفيا بالدعاية المضللة فقط، بل يقومان وبصفة يومية لتحويلها إلى واقع يغطي ممارسة فعلية تحاول تكريسها كحقائق بدلا من ان تبقى مجرد اقاويل. فبالرغم من ان في كل حرب هناك متعاونين مع العدو ، إلا ان الجيش المختطف يحاول تعميم دعاية واسعة ويختلق وقائع لا اساس لها توظيفا لهذه الحقيقة، وذلك بهدف تصفية حساباته مع خصومه السياسيين. ومثال لذلك تقديم عضو معروف بالحزب الشيوعي للمحاكمة في القضارف بتهمة التعاون مع المليشيا الارهابية واتهامه بتقويض النظام الدستوري، وهذا الحزب معروف بموقفه الواضح ضد الحرب وطرفيها وضد الانخراط فيها بأي صورة من الصور. كذلك يوظف ناشطي دعاية الجيش المختطف والحركة الإسلامية المجرمة جريمة المليشيا الارهابية المتمثلة في إغلاق بوابات خزان جبل أولياء ومنع صيانته التي أدت إلى غرق قرى جنوبه وخصوصا الجزيرة أبا، متناسين ان الجيش المختطف هو اول من قصف السد لمنع عبور المليشيا الارهابية للنيل الأبيض، دون اهتمام بأثر ذلك على بنية السد. والمليشيا الارهابية ليست بريئة طبعا من التضليل الإعلامي، لكن جرائمها الصارخة وواسعة النطاق تمنعها من ترويج الأكاذيب وتحويلها إلى واقع مصطنع. وهذا يؤكد أن حرب التضليل الإعلامي واسعة، وأن مواجهتها لا بد ان تتم بشكل منظم، وألا تترك للمبادرات الفردية.

 

 

 

 

 

بالطبع الدروس المستفادة من الحرب كثيرة ولا تقتصر على ما تقدم فقط، وشعبنا قادر على استيعابها وتوظيفها لتحقيق نصره القادم لا محالة.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!
27/12/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى