الحرب تثقل قلوب السودانيين : ضغوط نفسية واكتئاب وجنون
بورتسودان – سلمى الشيخ
مع استمرار الحرب في السودان التي شارفت على شهرها الـ (20)، تفتح أبواب جحيم آخر يعيشه الناجون من القتال، ولكن بجروح عميقة في نفوسهم، حيث لا تقتصر مأساة الصراع المسلح على القتل والنزوح والآثار الكارثية التي لا تطال الأرض والبنية التحتية فحسب بل تمتد تداعياتها المدمرة إلى الإنسان من نواحي نفسية.
وبحسب متخصصين في مجال العلاج النفسي فإن استرجاع أصوات القنابل ودوي المدافع وصور أشلاء الجثث في مخيلة الكبار والصغار من أقوى الصدمات التي شكلت تبعات نفسية قاسية.
مشكلات وأزمات
وشهدت دور الإيواء بولايات البلاد الآمنة قصصاً مؤثرة لسيدات عشن ظروفاً قاسية أثناء الحرب في العاصمة الخرطوم، حيث ظهرت اضطرابات نفسية كثيرة لفتيات دون سن الـ20، مما أدى إلى تسجيل حالات انتحار عديد منهن، بحسب عدد من المتطوعين.
وفي هذا الصدد، يقول محمود النمير – متطوع – إن “القصص الحقيقية حتى الآن لم تخرج للعلن، فهناك آلاف الحكايات لفتيات تعرضن للعنف الجسدي والنفسي قبل نزوحهن لمناطق آمنة، حتى الآن 90 في المئة من النازحات في حاجة إلى علاج نفسي مكثف لتخفيف أثر الصدمة جراء التخويف الذي تعرضن له خلال وجودهن في منازلهن أو أثناء نزوحهن حتى وصلن إلى دور الإيواء.
وأشار إلى أن “ماحدث في مناطق شرق الجزيرة وقبلها بالجنينة واردمتا في إقليم دارفور يفوق حد الوصف بشكل تام.
مصاعب عديدة
تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان مودة عبد اللطيف، إن “المرأة السودانية دفعت فاتورة الحرب كاملة وتأثرت نفسيتها مع الشعور الدائم بالخوف على نفسها وأبنائها من القتل والاغتصاب، فمع وقوع المعارك مارست الأطراف المتحاربة كل الانتهاكات الإنسانية في حق النساء من قتل أو اغتصاب، كما شهدنا عمليات بيع فتيات لدول مجاورة.
وتابعت أن “المرأة السودانية دفعت الفاتورة قتلاً ونزوحاً واغتصاباً وبيعاً وخوفاً ورعباً من القصف المستمر، وعمليات هدم البيوت وسرقتها شكلت لمعظم النساء هاجساً نفسياً كبيراً لا يمكن تخطيه.
وأضافت عبد اللطيف أن “النزوح لم يكن بالأمر السهل بخاصة لناحية تدبير مبالغ طائلة لاستئجار المنازل في الولايات الآمنة، بينما اضطرت أخريات للسكن في المدارس والشوارع، وهذا مؤشر إلى أن المرأة السودانية حتى بعد نهاية الحرب، ستعاني لأعوام طويلة تراكمات نفسية، وهي شاهد عيان لمقتل ابنها ودمار منزلها وسرقة ممتلكاتها واغتصابها.
مآسي الأطفال
لم يسلم الأطفال اليافعين من تداعيات الحرب الأمر الذي أدي إلى تأثرهم نفسياً.
ومن بين هؤلاء الطفل “علي” ذو التسع سنوات، الذي عانى كثيراً من تبعات النزوح، بعد رحلة مليئة بالمخاطر، استقرت أسرته في أحدي معسكرات اللاجئين، حيث يجد الطفل نفسه محاطاً بذكريات أليمة.
يقول علي، صاحب الوجه البريء والنظرة الحادة، إنه لم يتمكن من وداع أصدقائه، كما يشتاق كثيراَ لمدرسته ومعلميه. “عندما أتذكر ما فقدته، أشعر بألم شديد في صدري.
رغم معاناته، يحلم “علي” بأن يصبح مهندساً في المستقبل لكي يعيد بناء منزلهم ومدرستهم التي دمرتها الحرب، وهو حلم يعكس أمله في إعادة بناء حياته المدمرة.
تداعيات اللجوء
أما عائشة، وهي أم لطفلة في الخامسة من عمرها، فقد وجدت نفسها لاجئة في إحدى الدول المجاورة بعد أن دمرت الحرب منزلها.
تقول عائشة إن طفلتها، التي كانت قد أكملت عامها الثالث عندما بدأت الحرب، عانت من حالة فزع شديد واضطرابات في النوم، حيث كانت تستيقظ من أحلام مزعجة ولا تستطيع التحدث إلا عن الألعاب التي تركتها وراءها، وتواصل قائلة “أشعر بألم كبير عندما أتذكر ما مررنا به بسبب الحرب، وأتمنى أن تنتهي هذه الحرب قريبًا حتى أتمكن من استعادة حياتي”، تضيف عائشة.
آثار نفسية
وفي حديثه عن تأثيرات الحرب على الجهاز النفسي للإنسان، يوضح استاذ علم النفس كلية العلوم الانسانية جامعة بحري عبدالله آدم، أن “الحرب تترك آثاراً عميقة على الأفراد، خاصة فيما يتعلق باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، يعرف هذا الاضطراب بـ “كرب الحرب”، لما يسببه من ضغوط نفسية وقلق واكتئاب.
وتعد فئة الأطفال من الأكثر عرضة لهذه الاضطرابات النفسية، حيث يمكن أن تظهر عليهم سلوكيات غير طبيعية مثل الشكاوى الجسدية والصداع وآلام الجسم والمغص، التي قد تكون نتيجة للضغوط النفسية إلى جانب التبول اللاإرادي والخوف الشديد.
ويضيف : الأهم أن تتحلى الأسر بالهدوء والصبر عند التعامل مع الأطفال الذين يعانون من هذه الأعراض، وأن لا يظهر الخوف أو القلق على وجوه الأهل أو في أصواتهم أمام الأطفال، حتى لا يعززوا مشاعر الخوف لديهم.