اعمدة

الجميل الفاضل .. (عين علي الحرب).. بين الثورة والحرب (3)

 

 

 

    المهم فقد بدا لافتا أن الحَركةُ المسماة إسلامية، قد عادت في مناخ وأجواء هذه الحرب، الي رَجِّ زُجاجةِ ألوانها القديمة، توطئة لإنخرطها من جديد، في ذات لعبة الأقنعة الأثيرة والمحببة لدي قادتها وكوادرها، أولئك القادة الذين لم يزهدوا يوما، في مزاولة لعبة التَبرّقُعِ والتَقّنُعِِ، مذ عُرفت جماعتهم في التاريخ ككيان حربائيٍ مُتلون، لا يستقر علي رَسمٍ، أو علي إسمٍ، وهيئةٍ، وحَالْ.
فقد أنفقت هذه الحركةُ “الحرباء” منذ أن أوحي شيخها لقائد إنقلابها كَلمةُ سِّرها، “أذهب الي القصر رئيساً، وساذهب الي السجن حبيساً”، غالب سنين حكمها الثلاثين، في حياكة مثل هذه البَراقعِ والأقنعةِ، مُتنوعةِ السِماتِ، ومُتعددةِ الألوان.
عملاً بفقه السُترةِ، أو فقه الضَرورةِ، إذ كلا الفقهين الراسخين في مُعتقدِ الجماعة، يُبيحُ بِمظنةِ الخَوفِ أو الحَاجةِ، للخائفِ والمضطّر، اخفاءِ نواياه الحقيقية، ومداراة كافة الحقائق التي تتصل بطبيعة وجودهِ ونشاطهِ.
رغم ما يبدو من إستحالةِ إخفاءِ ملامح الوجه الحقيقي لمثل هذا الوجود والنشاط، وراء المساحيقِ والألوانِ لأطولِ زمنٍ في عصرٍ كهذا.
فقد حاولَ من قبل رئيسُ سلطة هذا التنظيم الحربائي، المخلوع “البشير” من أولِ أيامِ حُكمه في العام (89)، طمس هوية نظامه الإخواني، تحت دِثارِ مؤسسة “الجيش”، ذات الدثار الذي لا زال يتخفي وراءه “الإخوان المسلمين” بعد أن أشعلوا قبل نحو عشرين شهرا هذا الحريق المدمر في السودان، أملا في إستعادة عرشهم المفقود بأمر الثورة والشعب، عن طريق القوة، سواء بالإنقلاب أو الحرب.
علي أية حال فقد كشفت مجريات هذه الحرب اللعينة، أن الحركة الإخوانية لم تيأس الي يومنا هذا، من جدوي لُعبتِها المُفضلة.. لُعبة خَلط الأوراقِ والألوان.
تأمل كيف ينظر الشيخ عبد الحي يوسف الي كارثة هذه الحرب بكل ويلاتها، كحدث إيجابي بالنسبة له ولجماعته، من خلال قوله: “ساق الله هذه الحرب من أجل أن يُعيد للحركة الإسلامية ألقها وقوتها، ولا أكتمكم أن عشرات الألوف من الشباب المسلم دربوا على السلاح من الذين لم يحضروا تجربة الجهاد الأولي، لكن الآن يقوم بالإشراف على هذه العملية الجهادية التي تسمي (المقاومة الشعبية)، – وهو أسم الدلع كما يُقال – لأن مفردة الجهاد أصبحت منبوذة، يدربهم الآن في المعسكرات من كانوا شبابا في فترة التسعينات، ومعنا هنا من شارك في العمليات الجهادية وأصيب في يده واجريت له جراحة هنا قبل أيام، والانتصارات التي حصلت لا يرجع الفضل فيها للجيش أبداً، وإنما يرجع الفضل فيها بعد الله إلى المقاومة الشعبية”.
وبالطبع فأن إيقاف خاصية الوقاية اللونية، قناع “المقاومة الشعبية” الحالي، الذي أماط الشيخ عبدالحي عنه اللثام، لا يقع سوي في ثلاثة أحوال:
حال أن معين الألوان قد جَفّ أو نضُب، أو أن الألوان نفسها قد فقدت صلاحيتها، وجدواها، أو حال ثالث يتأسس علي أن دواعي الوقاية و أسبابها قد أنتفت بزوال المخاطر التي إستدعت التَبرقُعَ تحت أقنِعتها.
وهو ما لم يحدث الي الآن علي الأقل فيما يبدو، بدليل قول الشيخ عبدالحي.
= ونواصل =

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى