اعمدة

الجميل الفاضل.. يكتب.. درس إنتصار الثورة السورية !

    عبارة قصيرة لخص بها “التلفزيون السوري الرسمي” التطور الذي جري في دمشق اليوم، بهكذا وصف: “إنتصار الثورة السورية العظيمة، وإسقاط نظام الأسد المجرم”.
هي عبارة عميقة، أشارت بدقة الي حقيقة أن الذي إنتصر حقا علي نظام الأسد، ليس فصائل المعارضة المسلحة فحسب، بل الثورة السورية العظيمة.
تلك الثورة التي إستطاعت بجدارة، أن تقفز علي واقع أضخم مؤامرة دولية واقليمية، سعت لإجهاضها بكافة السبل والوسائل.
بيد أن الشعب السوري قد استطاع بصبر وثبات تحقيق إنتصار باهر، بدا للكل بعيدا بل ومستحيلا، وغير ممكن.
لقد أثبت السوريون، أن الشُعوبُ الثائرة، شأنھا شأن السيولِ الجارفة، لا تُغيرُ مجاريها ولا تُبدلُ عاداتها، ولا تَنحرِفُ عن أهدافها مھما كانت الأوضاع والظُروف، بل ومھما كان الثمن.
وبالطبع ليس ثمة ثمن، أفدح من الثمن الذي دفعه الشعب السوري خلال (14) عام تقريبا.
وحقيقة أخري، رغم أن غالب البشر يتغافل عنها، هي حقيقة أن الأقَدَّارُ كبرت أو صغرت، لا تصنعها الصُدف، إذ هي في الحقيقة أصدق تُرجمان لأقضية مكتوبة وموقوتة، أقضية تظلُ عالقة بلوح الأزل لا تتقدم أجلها الموقوت، ولا تتأخر عن ميقاتها المضروب.
لا يحول بينها والتنزُّل الي حيِّز الفعل، وعلى أرض الواقع، سوي حجاب واحد، هو “حجاب الوقت”، إذ لكل أجل في النهاية كتاب.
هي حقيقة لخصها سبحانه وتعالى بقوله: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.
فالأقدار تكتب بمداد الأحبار السرية، التي لن تبدي خطوطها ومنعرجاتها الدقيقة، سوي بسطوع شمس نفاذها.
إذ ان ميكانزمات القدر الداخلية، من شأنها أن تدفع، كل مقدور إلى احضان القدر الذي ينتظره، “تسليما وتسلما”، في موعد لا يتقدم ولا يتأخر، كما هو حال بشار الأسد اليوم.
كما يمكن ان يستنبط من قول رب العزة كيف يقع ذلك:
“إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم، ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم”.
ثم على قرار لمحة أخرى، يقول فيها سبحانه وتعالى: “إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلم ۗ إنه عليم بذات الصدور”.
ولكي يقضي الله امرا كان مفعولا بالحتم والضرورة، فانه يعرض كذلك نموذجا ثالثا، مغايرا ومحفزا، للمواجهة في ذات الوقت: “وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وإلى الله ترجع الأمور”.
بانهيار سريع ومفاجيء، كما يراه البعض، لنظام كنظام بشار الأسد، الذي تظاهره أعتي النظم بطشا وجبروتا.
المهم هكذا يصبح أمرُ اللهِ مفعولاً، بحسبان أنه “كان أمرُ اللهِ قَدراً مقدوراً”.
وبمعني “إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.
فسلطان خالق الوجودِ يُحتِّمُ ألا يكونَ بمقدورِ أي مخلوق اخر على الإطلاق، أن يحولَ دون بلوغِ اللهِ تعالى أمره، كما يستوجِبُ أيضاً ألا يكونَ بمقدورِ أي مخلوق على الإطلاق أن يُحدِّدَ “متى” يجيءُ أمرُ الله، فالأمرُ لله الذي هو بالغُ أمرِه، وأمرُ اللهِ لن يجيءَ إلا وفقاً لما سبقَ وأن قدَّرَه سبحانه وتعالي، فجعله الأجلَ الذي “إن حان” جاءَ أمرُه.
ولو بعد أربعة عشرة عام من السنوات كالتي قضاها اهل الشام في جحيم الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى