الجميل الفاضل .. يكتب.. “عين علي الحرب”.. حرب الفرصة، أم فرصة ھي الحرب؟!
عام ونصف من الجنون المطلق قضاها أهل السودان في ضيافة الجحيم.
إنھا عام ونصف، تكفي لأن ندرك وفق تصنيف للشيخ محمد متولي الشعراوي، يحدد أي نوع من الحروب ھذه التي إبتلينا بھا؟.
إذ يقول الشيخ الشعراوي ما معناه: اذا التقى حق وباطل في معركة، فالباطل سيهزم في وقت قصير لأنه بطبعه زهوق، مشيرا الي إنك إذا رأيت معركة تطاول بها الزمن، فأعلم بالضرورة أنها معركة باطل ضد باطل.
جازما في ذات الوقت، بأنه لن تقوم مطلقا معركة بين حق وحق، لأن الحق في النھاية واحد، لا يقبل بأي حال من الأحوال، القسمة علي أو بين طرفين.
المھم عطفا علي ما سبق لم يعد يساورني أدني مجال للشك في صحة الإعترافات التي أدلي بها في العام (2010)، الدكتور حسن الترابي لبرنامج “شاهد علي العصر” بقناة الجزيرة الفضائية، والتي قال في جانب منها: “بدأنا منذ مرحلة مبكرة الدخول في الجيش للسيطرة عليه، وقد رأينا أن يبدأ الإسلام في القوات المسلحة، لأنهم كانوا حديثي تربية بالإسلام، ثم سيطرنا علي الشرطة، والجيش، والأمن، ومؤسسات المجتمع الأخري، لتثبيت أركان الحكم، ومن بعد حددنا نحو عشرة الي عشرين سنة للتخطيط لما حدث في يونيو (89).
حيث كنت قد أعددت مذكرة سرية للوصول الي السلطة، شاركنا لأجلها النميري في السلطة لكي نرتب أوراقنا، إذ لا بأس أن تكون إنتهازيا في السياسة لإستغلال الفرص السانحة”.
صحيح أن أقوال الترابي تلك قد مضي عليها الي اليوم، نحو عقد ونصف من الزمان، وهي تتحدث بالطبع عن وقائع تعود الي نحو نصف قرن، إلا أن التاريخ ليس هو بالضرورة الماضي فقط، إنما التاريخ هو الأحداث، التي ما زالت تؤثر في الحاضر والمستقبل.
فقد عَّرفَ أحد أهم المُؤرخين في القرن الماضي “هايدن وايت” التاريخ بقوله: “ان التاريخ ليس مادة لفهم الماضي، بل هو مادة للتحرر منه”.
ولعل ھذه الحرب قد أثبتت عمليا، كيف أن خطة الترابي السرية التي وضعها في العام (75)، لا زالت تعمل وتؤثر في الحاضر، بل وربما في المستقبل أيضا، ما لم يتم العمل بقوة وبجدية للتحرر من تأثيرات هذا الماضي، الذي لازال يتأبي الي الآن علي الأقل، في أن يكون جزءا من التاريخ، ومن الماضي.
المھم ھو ماضي، تقول مجريات الحرب، أنه لا زال حاضرا بقوة، في كل وقائعھا، وفي طريقة إدارتها، علي يد تلاميذ أوفياء لفقه الترابي، الذي يبيح بصريح العبارة، كل ما يقع من إنتهاكات، إبتھالا لفرص ربما لا تتحقق دون ھذا النوع من الممارسات.
تأمل كيف قال الترابي في المقابلة آنفة الذكر: “لا بأس أن تكون إنتھازيا في السياسة، لإستغلال الفرص السانحة”.
المھم فإن ما يُجوَّزه “الترابي” ھنا، يعد “إخوانيا”، بمثابة قاعدة أصولية، من قواعد الفقه التجديدي للرجل، وھي قاعدة يبدو من واقع ما يجري، أنھا قد باتت تطبق حرفيا بھذه الحرب ھي كذلك.