ضجت امس الثلاثاء مواقع التواصل الاجتماعي وما انفكت باصداء وردات فعل متفاوتة على ماورد من عبارات عنصرية، فضلا عن سب مباشر للدين بحق لقمان احمد المدير المقال عن منصب مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون.
يعتقد بصدورها عن المحامي الاسلامي محمد شوكت عضو فريق الدفاع عن بعض من مدبري انقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ في حديث هامس مع زميله المحامي الاسلامي أبوبكر عبدالرازق سربه ناقل الصوت المباشر لوكالة السودان للانباء الي الاذان.
وكانت الوكالة قد سحبت عن موقعها فيديو وثق ما اطلق من عبارات تضمنت وصف لقمان احمد ب “العب اب نخرين” مع “سب للدين” اتبعه المتحدث بالاستغفار مستدركا علة “انه صائم”.. وكان ذلك بالضبط عند الساعة الثالثة وخمس دقائق و واحد وأربعين ثانية من التسجيل الذي اختفي لاحقا عن موقع الوكالة.
وفيما قدم الصحفي الإسلامي المعروف عبدالماجد عبدالحميد على حسابه بموقع ” فيس بوك” شهادة أكد فيها ان مصادر موثوقة أكدت له صحة ما نسب للمحامي شوكت وانه لا سبيل لانكاره او الدفاع عنه..كما أدان المحامي بهيئة الدفاع عن مدبري الانقلاب بارود صندل الألفاظ العنصرية التي وردت في الحديث الهامس بين المحاميين أبوبكر عبدالرازق ومحمد شوكت في جلسة امس الثلاثاء، واصفا العبارات بأنها غير مبررة بحكم ان شوكت محامي وان هذا الحديث جري في قاعة محكمة.
*كيف؟*
_صورة الحركة_
أستدعت الي الذاكرة العبارات العنصرية التي تضمنها حديث نجوى المحاميين شوكت وعبدالرزاق صورة ما كشف عنه عراب الحركة الراحل حسن الترابي في حديث مشهور عن رئيس النظام الإسلامي المخلوع عمر البشير الذي تم عزله عن الحكم في ١١ من أبريل سنة ٢٠١٩.
وتقول رواية الترابي حرفيا: ” واحد كبير من لجنة التحقيق في جرائم دارفور.. دون أن اسميه قال لي : بعد أن ادينا القسم جلسنا هكذا.. مع الذي نؤدي القسم بين يديه، تعلمون من هو طبعا.. فقال لنا: يعني الغرباوية دي لو ركبها جعلي.. دا شرف ولا اغتصاب دا؟.
قال لي عضو اللجنة : والله شعري كله قفز” .
لكن رواية أخرى تكشف عن عمق وتجذر وتأثير النزعة العنصرية المسيطرة على عقليات من يديرون هذه الحركة تؤكدها إجابة القيادي الإسلامي ورئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم السابق داؤد يحي بولاد الذي سأله دكتور جون قرنق في أول لقاء بعد انضمامه للحركة الشعبية :” لماذا تركت الحركة الإسلامية؟ رد بولاد بقوله:”لأنني اكتشفت ان رابطة الدم أثقل عند الإسلاميين من رابطة الدين”.
ويعلق ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية شمال على إجابة الراحل بولاد لقرنق بقوله:” عندما اكتشف بولاد ان مشروع الحركة الإسلامية لن يصعد به إلى جبل مخضر، ولا يخلو من عنصرية، ولا يميل الي الانحيازات الانسانية، فضلا عن ان مشروعها بعيدا عن الدين.. اختار بولاد حينها ان ينتصر لذاته الانسانية”.
صورة ما يسمى بالحركة الإسلامية أثارت في ذهن الكاتب الصحفي الشهير فتحي الضو أسئلة حادة لخصها في مقال معبر عنونه بعنوان معبر هو كذلك ” الأدب، وقلة الأدب.. الأخلاق وعدمها”.
يتساءل فتحي :” لماذا يشكل الاخوان المسلمين أغرب وأسوأ ظاهرة طرأت على الحياة السودانية واورثتها شططا؟. ولماذا هم فاسدون حتى النخاع حين ينبغي أن يكونوا من الأطهار؟.
وطفق الضو يطلق وابلا من التساؤلات المهمة للغاية من بينها : ا وليس لهم عقول تعي انها استلبت؟ ا وليس لهم ضمائر حية ام انها وئدت؟ الا يبصرون ام ان قلوبهم عميت؟.
ثم يمضي فتحي الي سؤال جوهري هو سؤال المرحلة دون شك : ” لماذا يجد (الأخ المسلم) سعادته في خلق الفتن، واشعال الحروب، وهواية سفك الدماء؟َ.
الي ان يخلص الكاتب الكبير الي ان حدسه قد قاده من وقت مبكر الي ان الصراع الذي افعتله الاخوان في السودان هو صراع أخلاقي لا سياسي.
*أين؟*
_شيطنة الأرض_
التاريخ على هذا الكوكب يصنعه الاخيار والاشرار معا.. ومن سنن الله أن جعل في الأرض ثقلين.. انس وجان، خرج من كليهما مخرجين.. مخرج صالح، ومخرج طالح.
وبالطبع فالمخرج الصالح هم “أولياء الله” والطالح “أولياء الشيطان”.
نعم الشيطان.. ذلك الكائن الذي لا نراه رغم انه موجود في عين المكان على الارض مثلنا.. يتبادل هو واولياؤه الوحي الي بعضهم البعض زخرف القول غرورا، لينتج هذا التواصل الخبيث فئتين من الشياطين.. فئة نسمعها ونراها ونكلمها ونشمها ونعاشرها، نلدها وتلدنا كبشر، نواخيها وتواخينا.. وفئة أخرى من ورائها ترانا ولا نراها.. إحدى الفئتين تسمى “شياطين الإنس” والأخرى “شياطين الجن”.
القاعدة.. انه كلما حل بارض أولياء الشيطان من الأنس،. حلت بها كذلك شياطين الجن في وجود مقترن.
و بعبارة أخرى فحيثما حل بارض الافاكون الاثمون، الكذابون الخراصون من الأنس.. حلت معهم شياطين الجن بالتزامن على تلك الأرض.. فقد قال تعالي: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
فالتحالف الشيطاني بين الأنس والجن قادر بغلبته لو انه تغلب، على شيطنة الأرض نفسها، وعلي جعلها مرتعا خالصا لشياطين الفئتين.
وكذا فالعكس صحيح أيضا.. فإن اي ارض يحل بها “أولياء الله” تحل بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون الذين يجدون في مراتع وحلق الذكر مبتغاهم، أو أولئك المبشرون المكلفون بنقل البشارات الي عباد الله الصالحين، الذين تتولاهم الملائكة بأمر من الله في الحياة الدنيا، طبقا لقوله سبحانه وتعالي:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)
*متى؟*
_صندوق الودائع البشرية_
السودان كان والي عهد قريب.. صندوقا للودائع البشرية المثلى، ومستودعا لانسانيات الإنسان العليا، مذ كانت الدنيا هنا ابتداءا.. ومذ كان بها في الأصل اول انسان.
فالاقدار تكتب هكذا بمداد من الأحبار السرية التي تبدي خطوطها ومنعرجاتها بعد أن تسطع عليها شمس النفاذ.
إذ أن خطوط القدر كالعلامات المائية التي لا ترى اول وهلة.
ولكي أقرب الصورة التي تعمل عليها ميكانزمات القدر المخبوءة.
انظر كيف ضرب لنا القرآن المثال:
“إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ۚ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ۙ ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ۗ وإن الله لسميع عليم”.
والي نموذج اخر لعمل هذه الميكانزمات الداخلية العميقة: “إذ يريكهم الله في منامك قليلا ۖ ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ۗ إنه عليم بذات الصدور”
فالاسباب الظاهرة تظل دوما طوع بنان المسبب الخفي على هذا المنوال والشاكلة.
“وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ۗ وإلى الله ترجع الأمور”
*لماذا؟*
_التدين الزائف_
يقول د. النور حمد ان التدين الزائف يقود الي الصلف والغرور، والي الاعتداد بالنفس، ويقول إن التدين الحق يقود الي التواضع والمسكنة.. ثم يفسر كثير من الظاهرات التي نراها بقوله: إن مشكلة من يسمون بالاسلاميين منذ ظهروا في الفضاء العام السوداني وغير السوداني، هي تنكب جادة الحكمة.. فقد نشأوا على الاعتقاد الأصم بانهم وحدهم الذين يمتلكون مفاتيح المستقبل، وكانوا في هذا الشعور ميكافيلين حقيقيين يؤمنون ايمان العجائز ان الغاية تبرر الوسيلة.. وبالتالي فقد صرفهم صلفهم وغرورهم الديني الزائف عن أن يفحصوا انفسهم فحصا جيدا.
*ثم ماذا؟*
_تقلب الاطوار_
فالسودان ظل طوال تاريخه بلد متقلب الأطوار.. يصعب عند كل منعرج إدراك أو تصور على اي شقيه يمكن ان ينقلب.
فالشعب السوداني لخصائص تتصل بجيناته الوراثية أولا، وبجذور تكوينه الاولي.. ظل دائما شعب “صعب المراس” يصعب التنبوء بتصرفاته.
في وقت تظل كلاب القري وازقة الحواري تعدو تنهب الارض بحكم العادة فقط.. نابحة وراء كل سيارة عابرة، بينما لا تدري هذه الكلاب اللاهثة ما الذي يمكن أن تفعله بالضبط لو انها أفلحت في الامساك بسيارتها الطريدة بعد كل هذا الجهد الجهيد.