تتداول السوشيال ميديا هذه الأيام قضية الشركة السودانية للموارد المعدنية َ التي تعنى بتبرع أصحاب شركات لنفرة إقليم دارفور بالتزامن مع تنصيب حاكم الإقليم عبر شيكات تدفع بواسطة مدير المسؤولية المجتمعية بحكم طبيعة عمله وصلته بهكذا نفرات وهو ما عده الكثيرون فسادا ومن يومها (قامت الدنيا ولم تقعد) حتي الآن على كافة المستويات وعلى رأسها الحكومة التي وجهت بعدد من الموجهات بالخصوص، فضلا عن توجيه وزير المعادن بمراجعة حسابات الشركة.. وهكذا..
هذه القضية اثيرت بالتزامن مع قضية عظمى لا تسوى هذه مثقال جناح بعوضة منها ومن عجب لم يلتفت إليها أحد ولم تجد حظها من الإثارة والقدح والتنكيل وإصدار البيانات وإصدار الموجهات من دولة رئيس الوزراء او أعلى سلطة قضائية ولا اي كائن من كان سوى أهل المتهم الذين تضيق بهم سوح المحكمة وردهاتها.. رغم انها (تريليونية).
“2”
قضية الشركة المعروفة (يا ناس الشااااي،، الشاي بجاي،، شاي ما عادي،، شاي كوفتي ومعاه كيكة) هذه النغمة التي باتت واحدة من ايقونات ثورة ديسمبر إبان إعتصام الثوار أمام القيادة العامة، والتي أصبحت بقدرة قادر مرتع للإعلانات وغيرها من أصحاب المال والأعمال الذين قفزوا من هناك و”نطو” هنا، وبعد ان تحقق لهم ما ارادوا اختفوا من الساحة كليا وعادت ريما لعادتها القديمة تتحكم في السوق و َتتبطر على المواطن.
المهم في الأمر ان هناك محكمة تجري الآن اطرافها شركة كوفتي (للمنتجات الغذائية) ركزوا فيما بين القوسين بينما الطرف الثاني شاب في العقد الثلاثين قمحي اللون هادئ الملامح وثمة براءة يعكسها وجهه الذي بدى كالطفولي وربما هذا.. اي البراءة وحسن النية.. هي من أوقعت به في هذا الفخ الكبير.
كنت كلما التقيت أحد الزملاء المعنيين بالحوادث جاري بالحي اناقشه في هذه القضية “الترليونية” الغريبة والتي لا ادري ان كانت المحاكم قد شهدت بمثلها من قبل وقد تورط فيها هذا الشاب، حتي وجدتموني ضمن الزملاء الذين يغطون هذه المحكمة لاقف بنفسي على ابعادها. ورغم اني لم احظ بمتابعة الجلسة التي قصدتها لكن تمكنت من الوصول للشاب محمد الصديق المتهم وسمعت منه عبارة واحدة (هو انا شفتها) اي المبالغ المتهم فيها.
“3”
محمد المتهم في مبلغ 26 ترليون و440 مليون ضمن معاملات بينه وشركة كوفتي بلغت في حجمها 400 ترليون هو بالفعل لم (يشوفها) انما فقط كان وسيط لكوفتي لدى عشر شركات يجرى معاملات على حصائل الصادر انحصرت في العملة الصعبة “دراهم” وذهب (خلي بالك.. لصالح كوفتي الغذائية).
منذ العام 2016م ومحمد يعمل وسيطا مع هذه الشركة التي تتعامل مع 10 شركات قال بها المحاسب المالي كما اقر بها المتهم ونكرتها كوفتي. وهذا في سياق التحقيقات الجارية هذه الأيام بمحكمة الخرطوم شمال وتفاصيلها كثيرة ومثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
“4”
وانا اطالع حيثيات هذه القضية من تحقيق صحفي وافي رصده الزميل عبد الباقي جبارة خطرت ببالي عدة تساؤلات.. أولها: هل البنوك والتي تمنح هذه الشركات مرابحات ترليونية لم تكن تعلم بحقيقة وهوية عشر شركات تتعامل معها ولم تنتبه إلا عندما حدثت فجوة في مبلغ ال26 ترليون و440 التي من المفترض ان تسدد للدولة؟. أيضا وقبيل يومين من القبض على الشاب محمد استدعاه مدير شركة كوفتي بالقاهرة وطلب منه التوقيع علي شيكات بيضاء عبارة عن عملة صعبة وذهب ثم ما لبث بعدها ان القى عليه القبض.. ترى هل كانت الشركة تعلم مسبقا بأن أمر ما سيحدث فسارعت بالباس التهمة للوسيط واتخاذه كبش فداء وهي ؟.
وترى هل كانت الجهات المعنية تهدف بحبس محمد صديق هكذا بلا محاكمة معتقدة بأن القضية ربما تموت بهكذا طريقة؟ وهنا دعوني اقول ان ترك المعتقلين الذين تئن بهم جدران المعتقلات والسجون هذه الأيام فرط كثرتهم يفتح الباب وشهية الكثبرين لممارسة الظلم والتخفي خلف ضحايا لا يدري أحد ان كانوا بالفعل مذنبين أم مستغلين.
وكان يمكن لمحمد ان يكون محبوسا الى ما يشاء الله لولا ان انبرى ذويه واجتهدوا حتى اوصلوا القضية للمحاكم التي تجري التحقيق وبعد ان كانت التهمة تخريب الاقتصاد الوطني ومن عجب تخريب من شاب ليس لديه لا مكتب ولا واجهة ولا حتى حساب بنكي.. تحولت فيما بعد إلى الاحتيال وربما تنتهي بالبراءة أو الحكم المخفف بحسب الوقائع.
“4”
في تصريح مؤثر قال والد الشاب محمد انه ورغم ثقته في القضاء السوداني لكنه بخشى (النفوذ) وللحق فإننا كذلك تخشاه.
السادة الحكومة هذه القضية بنبغي ان يكون لها ما بعدها بتفتيش ومراجعة كل الشركات مصادرها واصحابها ونشاطاتها الفعلية فالازمة الاقتصادية الخانقة وراءها مخربون تم حصرهم في مضاربي بالعملة ومهربين للذهب، كما حصروا بحثهم في جهات ظاهرة بينما هناك بواطن لابد من سبر غورها.. ومن جانبنا سنرصد تداعيات هذه القضية على المستوى الرسمي.