حالة من الجدل أثارها الخلاف حول هيكل مجلس السيادة عقب تعثر المفاوضات المشتركة ما بين ممثلي قوى الحربة والتغيير والمجلس العسكري بسبب الخلاف في أخر نقاط مباحثات الطرفين المتمثلة في هيكل (مجلس السيادة) الذي تم الإتفاق مسبقاً على صلاحياته.
تمسك الطرفان بموقفهما حيال نقطتين متصلتين بهيكل (مجلس السيادة) بتطابق تام بينهما إذ يطالبان بأغلبية مقاعد التمثيل بالمجلس بجانب ترأس مدني أو عسكري للمجلس وكل منهما يقدم أسانيده وحججه لهذا الموقف، ويخوضان في ذات الوقت غمار مباحثات غير رسمية فنية لتقريب شقة الخلاف بينهما على أمل الوصول لتوافق حول هذه النقطة (الأخيرة) بعدما أكملا الإتفاق على بقية النقاط.
وفي ذات الوقت يمارس الطرفان لعبة (شد الحبل) كل منهما يلوح بما لديه من وسائل تراوحت ما بين الدعوة للعصيان المدني والإضراب السياسي ثم إعادة إحياء نقابات وإتحادات النظام المباد وهي في مجملها جزء من المناورات السياسية التي يلجأ إليها كل طرف من الأطراف لممارسة الضغوط أو بمثابة تكتيك مضاد لإبطال أساليب الأخر.
فتح الجدل الدائر حول (مجلس السيادة) الباب أمام تساؤولات ونقاشات واسعة حول الميزات التي تجعل كلا الطرفين يتمسك بمطلبه للظفر برئاسة وأغلبية مقاعده بشكل جعل الإحساس العام يشيير لإمكانية دخول المباحثات المشتركة وكل نتائجها لغرفة الإنعاش بما في ذلك إمكانية وصولها لمرحلة الإنهيار الكامل.
ما زاد من ضبابية المشهد والحيرة لدى المراقبين هي عودتهم التصريحات التي تلت الإجتماع الذي تم التوصل فيه لإتفاق حول صلاحيات مجلس السيادة حينما خرج مفاوضوا قوى الحرية والتغيير سعيدين ويعلنون تجاوزهم الخلاف مع نظرائهم بالمجلس العسكري بتوصلهم لصيغة مجلس سيادة على أساس النظام البرلماني عوضاً عن مقترح المجلس العسكري لتأسيس مجلس على أساس رئاسي الذي تم طرحه ضمن ملاحظات المجلس العسكري على وثيقة الإعلان الدستوري المقدمة من قوى الحرية والتغيير، ثم أكدوا –أي مفاوضي قوى الحرية والتغيير- إلي أن صلاحيات مجلس السيادة المتفق عليها شرفية، وبالتالي فإن السؤال الذي بات مطروحاً يتمحور بشكل أساسي حول دوافع التمسك بالأغلبية في مجلس السيادة ورئاسته بصورة قد تهدر كل ما تم التوصل إليه خلال الجولات السابقة بين الطرفين.
لا يمكن تقديم إجابة حول هذا الأمر دون الرجوع فعلياً لصلاحيات مجلس السيادة التي تم الإتفاق عليها بين الطرفين خلال المفاوضات المشتركة بينهما، وطبقاً لذلك الإتفاق فإن مجلس السيادة سيقوم بإصدار قرارات قراراته بالأغلبية البسيطة أي نصف الأعضاء زائد عضو واحد.
بلغت مجمل صلاحيات مجلس السيادة المتفق عليها حسب ما تحصلنا عليه من معلومات وإفادات من مصادر قيادية مطلعة (15) إختصاصاً تمثل مجموع سلطات وإختصاصات مجلس السيادة وهي (رأس الدولة ورمزها السيادي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعتمد مجلس القضاء العالي، إعتماد تعيين رئيس القضاء بعد إختياره بواسطة مجلس القضاء الأعلى، إعتماد تعيين النائب العام بعد إختياره بواسطة مجلس الوزراء، إعتماد تعيين المراجع العام بعد إختياره بواسطة مجلس الوزراء، إعتماد سفراء السودان في الخارج وقبول إعتماد السفراء الأجانب لدى السودان، إعلان الحرب بناء على طلب من مجلس الوزراء، التوقيع على القوانين الصادرة من المجلس التشريعي وعلى الأحكام النهائية الصادرة بالإعدام من السلطة القضائية، إعتماد تعيين حكام الأقاليم بتوصية من مجلس الوزراء، يؤدي رئيس الوزراء القسم أمام مجلس السيادة، إعتماد الإتفاقيات المبرمة مع دول العالم المختلفة، العفو وإسقاط العقوبة وفق ما ينظمه القانون، إعتماد تعيين رئيس مجلس الوزراء والمجلس التشريعي ورعاية قضايا السلام والحوار مع الحركات المسلحة).
بالعودة لهذه الصلاحيات نجد أن أهمها هي المتصلة بالتعينات التي تشمل كل من (رئيس الوزراء، مجلس القضاء العالى، رئيس القضاة، النائب العام، المراجع العام، حكام الاقاليم وأعضاء المجلس التشريعي) بجانب إعلان حالة الحرب.
نجد أن جل هذه الصلاحيات يقوم مجلس السيادة بإعتمادها بمعني أن مجلس السيادة ليس هو الجهة التي تختار ولكنه يعتمد هذا الإختيار كما في حالات (رئيس الوزراء، مجلس القضاء العالي وأعضاء المجلس التشريعي) أو ربط إعتماده للترشيح لعضوية هذا المنصب بناء على توصية أو طلب من مجلس الوزراء كما في حالات (إعلان الحرب، حكام الأقاليم، النائب العام والمراجع العام) أو إعتماد تعيين مجلس القضاء العالي لـ(رئيس القضاة).
في ما يتعلق ببقية السلطات فإن أبرزها هى المتصلة بالتوقيع على القوانين الصادرة من المجلس التشريعي أو الإتفاقيات المبرمة مع الدول الأخرى فإن البعض قد يعتبر أن سلطة التوقيع تلك مطلقة بلا قيود أو ضوابط أو إجراءات يمتلك فيها مجلس السيادة الحق بموجب أليات إتخاذ القرار الخاصة به وبالأغلبية البسيطة حق قبولها أو رفضها، وهذه النقطة قد تكون صحيحة في حال كان المقصود منها تمتع مجلس السيادة بحق إبداء إعتراضات أو تحفظات على أي من الإتفاقيات أو القوانين ولكنها في ذات الوقت لا تعني تمتعه بحق النقض والمنع بما قد يترتب عليه إلغاء أو إعاقة أي من هاذين البندين في حال تحفظه على أي منهما.
يمكن شرح هذا الأمر بإلقاء ضوء على طبيعة النظام البرلماني الذي يتمتع فيه البرلمان (المجلس التشريعي) بالسلطة التشريعية بإصدار القوانين وإجازتها بما في ذلك الإتفاقيات المبرمة مع الدول الأخرى وإجازتها وفقاً لآلية إتخاذ القرار المعمول بها سواء كانت أغلبية بسيطة أو أغلبية مشددة (الثلثين أو الثلاث أرباع) وعند إجازتها تحال للجهة السيادية للتوقيع عليها.
تحدد الدساتير الإجراءات المتصلة بالتشريع وهي بشكل عمومي إما تحدد مهلة زمنية للسلطة السيادية التي تمتلك حق التوقيع للمصادقة على أن تعتبر في حال إنقضاء تلك المهلة الزمنية دونما أن توقع عليه أو تبدى إعتراضاً عليه بأنه في حكم المصادق عليه، أو تعطى تلك الجهة السيادية إبداء إعتراضها وملاحظاتها على بعض أو كل نصوص القانون أو الإتفاقية قبل إنقضاء تلك المدة الزمنية المحددة بالدستور.
في حال إعلان السلطة السيادية تحفظها على بعض أو كل نصوص القانون أو الإتفاقية تحال تلك الإعتراضات مجدداً للمجلس التشريعي الذي يقوم بنقاشها وإذا ما قام بإجازة القانون أو المعاهدة بأغلبية تكون أعلى من الأغلبية الإعتيادية (الثلثين مثلاً إذا ما كانت الأغلبية المعتادة الاغلبية البسيطة وهي 50% من الأعضاء +1 عضو) وقتها يصبح هذا القانون أو المعاهدة نافذاً ويسري حتى إذا لم توقع عليه السلطة السيادية المناط بها التوقيع أما إذا لم يحصل القانون أو المعاهدة على الأغلبية الأعلى من المعتادة خلال المناقشات فوقتها لا يسرى هذا القانون.
توجد صلاحيات أخرى لمجلس السيادة يتشارك فيها ضمنياً مع جهات أخرى ولا يحتكر فيها القرار أو يصدره بشكل منفرد كمسألة إعتماد تعيين سفراء السودان بالخارج وهذا إجراء يرتبط بشكل أساسي بوزارة الخارجية، أما إعتماد السفراء الأجانب فهو مرتبط بتقديرات دولهم وقبول الحكومة عبر زارة الخارجية أما ما يتصل بالمصادقة على الأحكام النهائية الصادرة بالإعدام فهي صادرة من السلطة القضائية وليست صادرة عن مجلس السيادة، وبالنسبة لـ(رعاية قضايا السلام والحوار مع الحركات المسلحة) فالجهة التي تباشر هذه المهام فعلياً هي الحكومة.
بالنظر لما تبقي فعلياً من الصلاحيات الـ(15) المتصلة بمجلس السيادة نجدها باتت تقتصر في صلاحيتين فقط وهما (إعتباره رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة).
نخلص من هذه المقارنة لنتيجتين أساسيتين أولهما أنه في ما عدا صلاحيتين من بين الصلاحيات الـ(15) المحددة لمجلس السيادة فإن جميع تلك الصلاحيات التي تزيد عن الـ75% من صلاحيات مجلس السيادة ليست مطلقة وتُمارس بموجب توصية مباشرة أو لإعتماد قرار صادر من جهة مخولة سواء كانت قانونية أو سياسية. أما ثانيها فهي المرتبطة بالصلاحيات التي قد يمارسها (مجلس السيادة) بتحفظه على بعض أو كل نصوص القوانين أو الإتفاقيات المبرمة مع دول أخرى إذ أن تحفظ مجلس السيادة هذا نفسه غير مطلق وقابل للنقض إذا ما قام المجلس التشريعي بإجازة القانون أو المعاهدة بشكلها الأول بأغلبية غير عادية.
بشكل ملخص فهذا هو (مجلس السيادة) وتلك صلاحياته الذي هم فيه مختلفون !!