تجربة نفسية قاسية عاشها العالقون السودانيون خارج الوطن جراء فيروس كورونا الذي إجتاح العالم بلا استثناء لعدد من الشهور . وإن توحدت الوجهةإلا أن لكل واحد منهم أسباب سفر وظروف تختلف عن غيره وقد فاقت معانتاهم حد توقعاتهم بأن تستمر كل هذه المدة . فمنهم من كانت حساباته وإمكاناته المادية مرتبطة بمدة محددة جداً ، وآخرون مرضى تقطعت بهم السبل خارج وطنهم وقسم أخر لديهم أطفال داخل السودان ومع كل شروق يوم جديد يراودهم الأمل في إنفراج الأزمة وتسهيل عودتهم .
هذا الأمد الطويل جراء جائحة كرونا ترتبت عليه ضغوطات نفسية تختلف وفقاً لصلابتهم النفسية واختلاف أعمارهم ، كما تختلف آثارها عند الذكور منها عن الإناث كل حسب درجة تحمله وتأثره النفسي ، فمجرد وجودهم خارج وطنهم في ظروف فيروس هدد النظام الصحي العالمي ويهدد أمنهم النفسي الذي يؤدي إلى زعزعة ثباتهم واستقرارهم النفسي ، وقد يصاحبهم قلق عام مثل الخوف من المرض وهم في وضع لايسمح للبعض بتلقى الرعاية الصحية اللأزمة وبعضهم قد يشعر بقلق بالغ كلما سمع أخباراً عن تزايد عدد الوفيات في العالم ويمتد الخوف من المرض والموت ويتفاقم شاملاً خوفهم على أسرهم ، قد يكون الشعور عرضياً ، ولكنه يمكن أن يصبح خوفاً مرضياً ويتحول لإضطراب نفسي تصاحبه أعراض نفسية وجسدية تستوجب العلاج ، وربما أصابت البعض نوبات إكتئاب غالباً مايكون مصحوباً بحزن وبكاء وشعور بعدم قيمته كأنسان له أن يحي ويعيش ، وهذا الشعور قد إنتاب بعضهم بالفعل وظهر ذلك جلياً من خلال حديث بعضهم لوسائل الإعلام متسائلاً : ألسنا مواطنين ومن حقنا العودة لوطننا ؟ ولماذا تتعامل الحكومة معنا وكأننا لسنا سودانين؟ وماذا يميز مواطني الدول الأخرى الذين قامت حكوماتهم باجلائهم عنا نحن ؟
هذه المقارنة قد تتسبب في إنخفاض في تقدير الذات مصحوباً بإحباط ناتج عن عدم الإهتمام بقضيتهم فقد رأينا بعض الفيديوهات التي يناشدون فيها الحكومة باجلاهم ، مع سرد كل منهم لقصة مأساوية أليمة ، وكل عبارة تترجم ما بداخلهم من ألم نفسي عميق حتى أن بعضهم ذرف الدموع وهم يتحدثون عن معاناتهم المادية والنفسية .
هذه المعاناة لا تشمل العالقين فحسب بل تؤثر على أسرهم داخل السودان فهم يشعرون بالقلق حيالهم ، وإحساسهم بالعجز عن فعل شيء لإخراجهم من هذا الوضع له مردوده السالب على حالة الأهل النفسية أيضاً .
نحن شعب إنساني ولدينا روح التكافل والتعاون وهذا ظهر جلياً في المبادرة الإنسانية لإجلاء العالقين من قبل رجال الأعمال وعدد مقدر من المبادرات الأخرى والشباب المتطوعين ومايميز الشعب السوداني أن لديه ثقافة الدعم الإجتماعي في مثل هذه الظروف فهذا يخفف كثيراً من الإجهاد النفسي ، ولكن هذا لايكفي فربما تكون إصابة بعض الحالات النفسية عميقة وربما كان لبعضهم إستعداد وراثي للمرض النفسي ، في مثل هذه الظروف تسوء حالته النفسية وربما يؤثر هذا الضغط على سير حياته على المدى القريب والبعيد لذلك ينبغي على المختصين القيام بتقييم الحالات وتقديم الإسعافات النفسية الأولية حتى لا تتفاقم حالتهم ، ويستطيعون العبور من هذه المرحلة بسلام ، فهم فقط يحتاجون دعماً نفسياً لمساعدتهم في تقليل العبء النفسي وإعادة التوافق والتوازن النفسي
وعلى الإخوان العالقين أن يكون لديهم وعي بأهمية التدخلات النفسية لسلامتهم وسلامة أسرهم لأنهم تعرضوا لأزمات نفسية تراكمت لعدة شهور ، وهناك عدد من المختصين النفسين تم أعدادهم وتدريبهم لمساعدة إخوانهم العالقين والعبور بهم لبر الطمأنينة النفسية .
تمنياتي لجميع امهاتنا وآبائنا وأخواننا وأخواتنا بعودة طيبة لوطنهم وصحة نفسية وجسدية جيدة للجميع .
أمانى خالد
اختصاصي علم النفس العلاجي