اعمدة

عثمان ميرغني .. يكتب.. (مشكلتكم.. ليست الحـرب)..

 

 

   صديق عربي قديم.. لم نلتق منذ سنوات.. شاءت الأقدار أن نتواصل هاتفيا قبل أسابيع ثم زار القاهرة الأيام الماضية واتصل بي وجلسنا لساعات نستدعي الذكريات المشتركة.

قبل سنوات طويلة فكر صديقي رجل الأعمال هذا في الاستثمار بالسودان.. البداية مشروع زراعي ضخم.. اتصل بي من موطنه وكنت أنا بالخرطوم وطلب مساعدتي في التواصل مع الجهات التي لها صلة بالاستثمار.. وفعلا لم أقصر.. رتبت له اجتماعات مع وزراء الاستثمار والزراعة ومسؤولين كبار في ولاية الخرطوم.
وصل صديقي الخرطوم.. و رافقته في سلسلة اللقاءات.. لكن مفاجأة كبيرة حدثت!
في اللقاء مع وزير الزراعة و بعد التعارف التقليدي و بدأ صديقي رجل الأعمال يسأل الوزير بعض الأسئلة المتعلقة بالاستثمار.. تحول الحديث فجأة للنقاش في قضايا لا علاقة لها مطلقا بالموضوع.. في الشأن الاجتماعي و أوجه الشبه بين البلدين ومثل ذلك من أحاديث الدردشة العامة.. شعرت بالغضب لأني بذلت مجهودا لترتيب اجتماع للاستثمار وليس الدردشة.. ولكني التزمت الصمت حتى خرجنا من الوزارة وسألت صديقي لماذا أضاع وقته ووقتي في نقاش لا علاقة له بالاستثمار.
رد علي ببساطة أنه صرف النظر كليا ونهائيا عن فكرة الاستثمار في السودان بعد خمس دقائق فقط من بداية الاجتماع.

لماذا؟ سألته..
قال لي أنه قرأ بالفندق قبل خروجه خبرا في صحيفة سودانية عن قرار أصدره والي الخرطوم بمصادرة أراضي يملكها مستثمر سوداني.. وكان رد وزير الزراعة أن هذا أمر عادي من سلطات الوالي مصادرة الأراضي ..
صديقي المستثمر قال لي أن الوالي هو مجرد موظف حكومي ليس من حقه مصادرة أراضي أو أصول المستثمرين.. الأمر يجب أن يترك للقضاء فقط لا السلطة التنفيذية.. وأنه لن يأتمن أمواله و مشروعاته في بلد يصادر فيه موظف ممتلكات المستثمرين..
بمجرد سماعه لرد وزير الزراعة اتخذ قراره بلا تردد.. وفي أول خمس دقائق من الاجتماع..

وقرر أن يتجه بمشروعه إلى جارتنا الشقيقة مصر.. فهو يرى أن بيئة الاستثمار فيها آمنة.
مرت سنوات طويلة التقينا فيها عدة مرات نسيت خلالها قصته..
قبل أيام قلائل في جلستنا الجميلة بالقاهرة نستعيد الذكريات.. سألته عن مشروعه الذي صرف النظر عنه بالسودان.. قال لي أنه فعلا جاء إلى مصر و حصل على مساحة شاسعة من الأرض و أكمل المشروع منذ سنوات وهو ينتج الآن و حصاده يملأ الأسواق المصرية ويصدر للخارج علاوة على ما وفره من فرص عمل للمئات.
قلت له.. تنتهي الحـ؛رب في بلادنا وتعود الأحوال أفضل مما كانت و تتاح لك فرصة أخرى لمشروعات استثمارية بالسودان.. رد عليّ بجملة ظلت ترن في ذهني.. قالها بكل عفوية.. و بمنتهى الحب لبلادنا التي يكن لها تقديرا كبيرا..
قال لي (مشكلتكم.. ليست الحـ؛رب)..
(مشكلتكم ادارة وطن من أغنى بلاد الله بالموارد ..)
(حتى ولو انتهت الحـ؛رب.. تظل مشكلتكم في ادارة وطنكم..)..
قدم مرافعة طويلة بها تفاصيل مهمة.. نحتاج أن نفكر فيها بعقولنا لا بـ(عواطفنا النبيلة) على رأي ثنائي العاصمة..
هل أنتم مستعدون لسماعها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى