د. أحمد عثمان عمر .. يكتب.. لا لحكومة الجنجويد !!
يعلم الجميع أن أزمة الجنجويد المستحكمة هي غياب المشروع السياسي والفشل المزمن في تكوين حكومة ممثلة للمشروع وحاملة له. فالمليشيا التي بدأت نشاطها كمرتزق وبندقية للإيجار، إنتقلت قيادتها لتصبح عضوا في نادي رأس المال الطفيلي، وفئة من فئاته، دون أن تتمكن من إنتاج مشروع سياسي يغطي نهبها للموارد وإفقارها لشعب السودان. ففي غابر أيامها وحتى إنقلاب أكتوبر 2021م، إكتفت المليشيا الارهابية بالبقاء تحت مظلة آيدلوجيا الحركة الإسلامية المجرمة ومشروعها السياسي، دون انخراط مباشر في الدعاية السياسية، وتفعيل مشاركتها في السلطة كتابع ومن ثم شريك لتلك القوى، في تحالف لفئات الرأسمالية الطفيلة، يحمي التمكين ودولة الاستبداد. وبعد فشل الانقلاب المزمن الذي لم يتمكن من إعلان حكومة تحت ضغط الشارع الثائر، وإنقسام لجنة الإنقاذ الأمنية التي نفذته واشتعال الحرب بين الجيش المختطف والمليشيا الارهابية، سرقت الأخيرة مشروع الهامش المزعوم، وتقدمت بورقة سياسية وهمية تؤطّر رؤية تزعم أن برنامجها هو إستعادة الديمقراطية ومسار ثورة ديسمبر المجيدة، ولكنها فشلت في تقديم اي مؤشر يؤكد إنتمائها للبرنامج المسروق!! ولغياب المشروع السياسي واستحالة القبول الولي العام، فشلت المليشيا الارهابية في تكوين حكومة بالرغم من أنها مسيطرة على معظم البلاد، وطفقت تبحث عن غطاء مدني تحت مسمى الادارة المدنية، فشل فشل ذريعا حتى في تغطية سوءتها، ناهيك عن شرعنتها كسلطة أمر واقع وحكومة، وأصبحت الحاجة ملحة لوجود حكومة يواري خلفها الارهاب وجهه البشع.
(2)
في هذا السياق، رشحت الأنباء بأن بعض القوى التابعة لتحالف “تقدم” أو “قحت الموسعة”، تسعى إلى تكوين حكومة ضرار لحكومة الجيش المختطف في بورتسودان، قيل أولا أنها حكومة منفى، ثم اتضح لاحقا أنها حكومة في كامل الأراضي السودانية كما زعم أحد أكبر الداعين لها، وتم تسريب أسماء بعض المرشحين لها لوسائل التواصل الاجتماعي، وهي أسماء تشمل بعض اعضاء مجلسي السيادة والوزراء في سلطة شبه المدنية التي نشأت عن تسوية وصفقة الوثيقة الدستورية المعيبة بكل أسف. وبالرغم من أن قيادة “تقدم” ” قحت الموسعة” لم تتبن هذه الحكومة المزعومة ولا يمكن أن تنسب للتحالف، وبالرغم من أن المليشيا الارهابية قد سربت بأن زعيمها قد رفض تكوين الحكومة بعد أن أحس بالرفض الواسع لها داخليا ودولياً، إلا أن الفكرة لم تمت بعد، ونفي علاقتها ببعض أطراف التحالف المذكور أصبح صعبا ومستعصيا. فالحكومة المزعومة طالما أنها ليست حكومة منفى، وطالما أنها معلنة لتصبح حكومة في الداخل على كامل التراب الوطني، وطالما أنها لن تنشأ في مناطق الجيش المختطف، فهي بالحتم حكومة للمليشيا الارهابية وبديل لإدارتها المدنية الفاشلة. فهي لا محالة ستجد نفسها في مناطق سيطرة هذه المليشيا الارهابية، التي لا تسمح بتواجد اي قوى سياسية او نشاط سياسي غير داعم لها أو على الاقل في تحالف وإن كان موضوعيا معها. وبما أنها تفتقر للشرعية والمشروع السياسي، وأن الحكومة المزمع تكوينها تزعم بأنها تمثل ثورة ديسمبر المجيدة وتنوي تقديم بعض أسماء المتلهفين للسلطة من بقايا سلطة الوثيقة الدستورية المعيبة، فهي لا بديل لها سوى أن تكون حكومة لمليشيا الجنجويد الأرهابية، وغطاءا مدنيا لهذه المليشيا. فالزعم الذي تزعمه الحكومة الوهمية المذكورة، هو نفس الزعم الذي زعمته المليشيا حين حاولت تقديم برنامج ومشروع سياسي وادعت انها تمثل الثورة ومجموع ابناء الهامش، وخطاب اصحاب مشروعها معادي للجيش المختطف وحكومته في بورتسودان علنا ومنافس لها، وصامت تجاه المليشيا الارهابية على غير تقدير وغير معادي لها.
(3)
وخطورة إعلان مثل هذه الحكومة ليست في تكريس التقسيم للبلاد بين سلطتين غير شرعيتين او خلق مناخ شبيه بالحالة الليبية كما ينوه البعض لأنها أعجز من ذلك، بل تكمن في محاولة شرعنة المليشيا الارهابية وتوفير غطاء مدني سياسي لها، وسلطة أمر واقع تمكنها من تشديد قبضتها في مناطق سيطرتها، وتقديم نفسها على المستوى الدولي بوجه بديل وقناع سياسي لا تستطيع أن تدعي مشروعه أو أن تقبل على أساسه دولياً. وبغض النظر عن عجزها عن تكريس تقسيم البلاد، لحتمية فشلها في تثبيت نفسها كسلطة وشرعنة وجودها، أو خلق حالة ليبية لأنها كنظيرتها في بورتسودان سليلة انقلاب فشل في تعويم نفسه داخليا واقليميا ودوليا، فهي ستفشل حتما حتى في إدارة المناطق المسيطر عليها من قبل المليشيا الارهابية مدنيا، مثلما سبقتها الإدارات المدنية المزعومة في هذا الفشل. فمقاتلي المليشيا الارهابية في ارض الواقع لن يسمحوا بقيام سلطة مدنية او الانصياع لها. فوجود مثل هذه السلطة ضد مكونات وعيهم وقوانين حربهم القائمة على الغنيمة والنهب والتدمير والإبادة الجماعية، والتي من المستحيل ان يتنازلوا عنها او يغيروها. وهذا هو أول أسباب رفض قيادة المليشيا الارهابية لتكوين هذه الحكومة – إن صح الرفض، يظاهره في ذلك ارتباطات المليشيا المذكورة بالدول الداعمة لها، التي ستجد نفسها في ورطة في حال اعترافها بتلك الحكومة أومحاولة تسويقها، والتي تعلم جيدا أن مثل هذه المناورة مصيرها الفشل، وأن ضررها أكثر من نفعها!! فهي ستتحول إلى عبء للمليشيا الارهابية وداعميها، بدلا من أن تكون وسيلة لشرعنتها والاعتراف بها كسلطة امر واقع منافسة لسلطة بورتسودان التابعة للحركة الإسلامية المجرمة.
(4)
لذلك الارجح أن تموت هذه المبادرة في مهدها، وأن تنأى قيادة “تقدم” “قحت الموسعة” بنفسها منها، ولكن الموت الفعلي لها من حيث الجوهر ، لن يمنع بعض المغامرين والمتهافتين على السلطة من إعلانها من حيث المظهر بالطبع. لذلك لا نستبعد أن يقوم هؤلاء بإعلان حكومة للجنجويد دون الاعتراف بأنها حكومتهم، وبالرغم من الرفض الواسع لهذه الحكومة المزعومة. والمطلوب هو مقاومة واسعة لهذا المشروع العليل والضار، علنية ومثابرة من قوى الثورة وحتى من قواعد تحالف “تقدم” “قحت الموسعة”، ومحاربة الخطاب الداعي له بخطاب واع مؤسس ومنظم، يوضح طبيعة هذه الحكومة ودورها كغطاء مدني للمليشيا الارهابية ليس إلا، وكطرف في هذه الحرب اللعينة المفروضة من طرفي اللجنة الامنية للانقاذ فاقدة الشرعية، والتأكيد بأنها مثلها مثل حكومة الامر الواقع غير الشرعية في بورتسودان، سلسلة انقسام القوى التي نفذت انقلاب اكتوبر 2021م الفاشل. والسليم هو مواصلة الجهود لتكوين الجبهة القاعدية العريضة، التي تكون برلمانها بالداخل وتؤمن نشاطه السري، ليكون حكومة الثورة البديلة، التي ستحكم بعد ايقاف الحرب وبعد طرد طرفي الحرب من المعادلة السياسية ومحاسبتهما. ومثل هذه الحكومة البديلة لامتدادات الانقلابات غير الشرعية، ستكون حتما بالداخل، وترفض أن تكون حكومة منفي خاضعة للضغوط الدولية وتابعة للمشاريع الاستعمارية، كما ترفض تواجد الجنجويد أو الحركة الإسلامية المجرمة وواجهاتها ضمن قواعدها الداعمة، وتتعامل من مواقع السيادة الوطنية عند محاولة تسويق نفسها ونيل الاعتراف الدولي والإقليمي. ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن هذا ما سيفعله شعبنا العظيم، الذي سيقبر محاولة تكوين هذه الحكومة في مهدها ويفشل المبادرة حتماً.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
20/12/2024