ستون عاما علي ثورة اكتوبر، “أم الثورات” السودانية، وأُولي الثورات الشعبية الناجحة في المنطقة، بل والرائدة علي الإطلاق في تغيير الأنظمة الدكتاتورية، عبر وسائل المقاومة السلمية.
“أكتوبر”، ھذه الثورة التي أضحت الخرزة الكبري علي رأس الخيط الناظم للثورات في السودان، والأيقونة الملھمة علي دروبھا الممتدة الي اليوم.
ففي إكتوبر من العام (64) إمتشق الشعب السوداني “المعلم”، لأول مرة، أمضي أسلحته الناجعة والمجربة في الإطاحة بالديكتاتوريات، “سلاح السلمية”، الذي دخل الي حيز الفعل والواقع، بوجه أول انقلاب عسكري إستولي علي السلطة في السودان، نفذه في العام (58) قائد الجيش “الفريق ابراھيم عبود”.
إذ لم يَدُرْ بِخَلدِ العالم آنذاك أن ثورة يُمكن أن تنبت في تربة العالم الثالث الفقير، ومن أرض الكوارث المتوطنة “أفريقيا”، تتجاوز في تطلعاتها البحث عما يَسدُ الرَمق، ويُسكِتُ صراخ الإمعاوات الخاوية.
فقد بدا مدهشا للعالم، أن شعبا من جنوب الكوكب، ما ثار على حكامه العسكريين سوي لإستعادة كبريائه، وكرامته الانسانية.
ومن أجل سيادة قيم الحرية، والديمقراطية، والسلام.
ولعل برقية أرسلھا السفير الامريكي بالخرطوم “ويليام. ام. رونتري” لخص فيھا رأيه حول ثورة أكتوبر المجيدة، تعكس حجم المفاجأة المركبة التي أحدثتھا ثورة إكتوبر للعالم الأول.
انظر ماذا قال السفير رونتري في برقيته بتاريخ (15 نوفمبر 1964)، بعد اسبوعين فقط من إطاحة الشعب بحكم العسكر: “ثورة، أو غير ثورة، لقد فقدنا صديقا في شرق أفريقيا، زار الولايات المتحدة، وإستضافه الرئيس كينيدي في البيت الأبيض.. وتعاون معنا في جوانب كثيرة من جوانب سياستنا في أفريقيا”.. ويضيف السفير” رونتري” بحنق على التغيير الذي حدث في أكتوبر (64): “ثورة، أو لا ثورة.. كان عبود رمز إستقرار إستمر ستة سنوات، لم يكن ديمقراطيا، لكنه كان حاكما فعالا، نفذ مشاريع كثيرة”.. الي أن يقول السفير ويليام : “بطبيعة الحال يظل السودانيون يبتهجون بالحرية التي حرموا منها لست سنوات.. وبطبيعة الحال، يواجهون مشاكل الحرية.. خاصة حرية جاءت فجأة.. وخاصة في بلد فقير، تعصف به الخلافات القبلية”.
وينهي سفير الستينات الأمريكي برقيته بقوله: “الوقت لا زال مبكرا للحكم على مستقبل السودان بعد ثورته الشعبية.. لكن يبدو أنه لن يشهد إستقرارا سياسيا خاصة بسبب مشاكله الاقتصادية والقبلية سالفة الذكر”.
-ونواصل-