حين وقفت أمام كاونتر الخطوط المصرية في مطار
اسمرا كنت المسافر الوحيد الذي ينتظر إكمال اجراءات سفره.
كل المسافرين في رحلات تلك الليلة بالمصرية و تاركو و الإثيوبية قد اكملوا أجراءتهم ودخلوا الصالات تمهيدا للمغادرة إلا أنا..!!
وحينما رفعت حقائبي على ميزان الكاونتر.. وبدأت الموظفة إجراءاتها علا تصفيق الموظفات الجميلات المساهرات في تلك الليلة الشتوية الباردة.. وارتفعت بعض الأكف بالدعاء.. وسرت موجة ارتياح في محيط صالة المغادرة الأولى ..!!
يبدو أن حالتي كانت متابعة باهتمام من قبل الجميع في الصالة..!
وقبل أن استرسل في الحديث والغزل في الشعب الارتيري الشقيق، اود أن أتقدم بشكر خاص للأستاذ عمرو يوسف مدير مكتب الخطوط المصرية في اسمرا على مواقفه الإنسانية تجاهي.. ولم يكن مديرا مسؤولا فحسب بل كان إنسانا بحق، وهو يسعى جاهدا لحل مشكلتي الطارئة التي لم تكن في الحسبان..!
َوكما يقال: غلطة الشاطر بألف غلطة.. فقد كنت أنا في مابعد منتصف ليلة الجمعة في مطار اسمرا ذلك الشاطر الغلطان..!!
حين وقفت لأول مرة أمام موظفة الخطوط المصرية وحقائبي على الكاونتر.. سألتني الموظفة عن تذكرة العودة.. قلت لها ببراءة.. ليست معي.. لدي تذكرة سفر إلى قوانزو.. ولكن لم اشترِتذكرة عودة؟
قالتَ لي إن السيستم يقول لك: لابد من تذكرة عودة عند دخول الصين..؟!
قلت لها لدي تذكرة عودة سابقة بالمصرية من قوانزو الى القاهرة لم استغلها بعد. َوهي مفتوحة.
وقدمت لها التذكرة.. وقلت لها ممكن اضيف الى تلك التذكرة تذكرة اخرى من القاهرة الى جدة؟
قالت: الحل عند مدير المكتب..و اخذتني الى مدير المحطة في مكتبه.. وبعد أن شرحت له موقفي وحالتي..أطلع على التذكرة السابقة.. ثم اتصل هاتفيا بشخص آخر.. كلمه عن موقفي كذلك.. وإمكانية الاستفادة من التذكرة السابقة من قوانزو الى القاهرة، واضافة تذكرة من القاهرة الى جدة؟
وبعد اخذ ورد.. قال له: إن ذلك الإجراء غير ممكن.. وعليه ان يؤجل سفره ويقوم بكل التعديلات في مكتب الخطوط المصرية داخل اسمرا..!!
قلت للسيد عمرو يوسف: إن رجوعي اسمرا الآن صعب جدا خاصة ان الرحلة المقبلة للخطوط المصرية ستكون الأحد المقبل.. وانا لدي ارتباطات مهمة في الصين.
قال لي: أنا معك وعاوز اساعدك في حل المشكلة. ولكن ليس لدي حل آخر.. قلت: ممكن اذا عندك انترنت أن اتصل على ابنتي في الرياض، وتشتري لي تذكرة on line؟
طَلبَ مني رقم ابنتي في الرياض، واتصل عليها من جواله، أعطاني لها وكلمتها بأن تسعى جاهدة لكي تشتري لي الآن تذكرة عودة من قوانزو..! وكنت أعلم أن ظروفها غير مواتية.. وطلب منها السيد عمرو أن ترسل التذكرة على الواتساب الخاص به.
شكرته كثيرا.. وذهبت الى الصالة انتظر ماسيحدث؟ هل اسافر أم أعود ادراجي الى داخل اسمرا..!
مر الوقت سريعا.. ولم يحدث شئ.. ودخل جميع المسافرين الصالات للمغادرة.. وكنت محط نظر الجميع الذين عرفوا قصتي.. ويبدو أنهم تعاطفوا من بعيد ومن غير أن أشعر بذلك.
رجعت إلى السيد عمرو وتفحص واتسابه فوجد رسالة من ابنتي و تضمنت موافقة على التذكرة وعلى موعد العودة.. وقال لي لابد من صورة من التذكرة حتى نكمل الإجراءات..؟
لحسن الطالع تأخرت الطائرة المصرية القادمة من اسمرا لحوالي ساعة.. وقالت لي الموظفة: أمامك نصف ساعة فقط لإكمال الإجراءات..؟
كنت قد اوشكت على الاستسلام والعودة مجددا الى داخل اسمرا وكانت الساعة وقتها الثالثة صباحا..!!
تفقد السيد عمرو والموظفة الموافقة ولكن لم تظهر عنده على الكمبيوتر.. وهنا أدركت ان الأمل في السفر اصبح ضعيفا.. وبدات استعد نفسيا للعودة إلى داخل اسمرا راضيا بإرادة الله ومشيئته.. وقلت:الأمر لله من قبلُ ومن بعد.
َاقبل نحوي موظف الأمن في خطوات سريعة وعلى ثغره ابتسامة عذبة.. وطلب مني الإسراع نحو كاونتر المصرية لاكمال إجراءات السفر.. لم أصدق..!!
وقفت عند الموظفة نفسها في كاونتر المصرية.. وجدتها فرحة مسرورة وزميلتها ترفع اكفها بالدعاء.. لاحظت أن الجميع يتابعون حالتي وهم بين مصفق ومبتسم..وربما اغرورقت عيون بعضهن بالدموع..!!
أوشكت أن ألغى سفري بسبب تلك الحفاوة وهذه المشاعر الصادقة النبيلة..!!!
(يا حنيِّن)!!!
موظفة الجوازات جاءت مسرعة و اكملت الإجراءات وكذلك موظفو وموظفات الأمن.
عندما راني الأخ خالد عبدالعاطي زميلي في الرحلة.. لم يصدق..!
قال: لقد توقعت إنك قد عدت إلى الفندق وغارق في النوم؟!
قلت: سبحان الله تأخرُ الرحلة كان من صالحي!!
قبل أن اغادر الصالة شكرت الأستاذ عمرو يوسف مدير محطة طيران المصرية في اسمرا على هذا الموقف الإنساني النبيل و الشهم.
وحمدت الله كثيرا أن يسر لي أمر السفر بعد ساعات من القلق و الإنتظار تحت ضغوط ليست سهلة.
ونحن نهبط تدريجيا نحو مطار القاهرة شاهدت ثورة عمرانية مذهلة حول القاهرة.. ومدن جديدة بلا حصر ومصانع على مد البصر إنها ثورة عمرانية صناعية تشهدها مصر.
وهي مفاجأة سارة لكل محبي مصر ولكل من يرى هذا الإنجاز العظيم الذي تتفوق به مصر عالميا.
الانسانُ المصري قادر على صنع المعجزات حقا ومتى ما توافرت الفرصة لشعب مصر فإنه قادر على تحقيق آماله وآمال الشعوب العربية.. وقلت في نفسي.. سيكون لمصر والمصريين دور وسهم كبير في إعادة إعمار السودان السودان بعد الحرب.
مدةُ انتظار الرحلة التالية 18ساعة، فوجئت أنني قد أنزلت في فندق خاص بالخطوط المصرية داخل المطار.. فندق جميل بغرفه العديده، وصالة الضيافة و
الطعام.. والأجمل من ذلك كله لطف موظفي الخطوط المصرية في الفندق وخارجه.
و بحكم زياراتي المتعددة لمصر فانا أشهد في كل زيارة تطورا رائعا في أكثر من مجال.. ولكن في السنوات الأخيرة فإن ما تحقق في مصروفي عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من إنجازات شاملة غير مسبوق.
أقولها وبملء الفم.. وصدق المشاعر:
( تحيامصر) .