رزيء السودان والإسلام بأسوأ تجربة مرت على تاريخ العالم الإسلامي، فاقت نازية هتلر ومحارق الهولوكوست، وإبادات رواندا وعنصرية جنوب إفريقيا، فمثلت التجربة الإخوانية السودانية لقاح السوء والمكر والفساد والقبح الإنساني، وأجدر ما يمكن وصفهم به وأدق ما يلاصق صفاتهم ويصور نهجهم هو قول الله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) .
● لم يسلم السودانيون من ألسنتهم وأيديهم، فبرعوا في فحش القول وآذوا الناس بألسنتهم، ولا زالت آذننا تسترجع صدى العواء الصباحي الذي كان يأتي به (بوق الإنقلاب) وقتئذ غضو مجلس الثورة يونس محمود، والصياح الذي ما ترك لجار قريب أو صديق غريب إلا ولا ذمة فرضا ولا عرضا إلى قدح فيه وكال له من السباب ما كل، وما تركوا للسودان صليحا بسوء أقوالهم، وأسسوا تجربتهم على البذاءة والكذب والخداع والإساءة، متناسين قول الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» “، ولا زال بعضهم يجتريء على خلق الله وعلى الله ودينه ويسب العقيدة وتتعالى قهقهاتهم دون إنكار.
● لم يُقروا إلى اليوم بخطأ تجربتهم الإنقلابية، ويعتذروا عنها للشعب، ولم يعكفوا على مراجعات وتقديمها للجماهير التي اختارتهم في انتخابات حرة ونزيهة ضمن نظام ديمقراطي أقسموا على حمايته، فنكصوا عن العهد وخانوا الأمانة وتسوروا حياض الأمة رامين خلفهم قول سيد البشر صلى الله عليه وسلم : ” «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا» “. وتمادوا في خيانة الخلق وخيانة الله ورسوله، (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27)) ، فضيعوا القرآن وحرقوا حفظته أحياء، ودرسوا سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم وتجردوا من الرحمة: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ)، فقطعوا أرحام الخلق بتجريدهم من بيوتهم وأوطانهم وأسرهم وجعلوهم طرداء لجوءا ونزوحا وتشريدا في شوارع المعمورة، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرْحَامَكُمْ) ، وأي فساد يستطيع المرء حصره؟؟.
● فتك الإخوان بخلق الله دونما سبب إلا أنهم رفضوا الإنصياع لمشروعهم الأيدلوجي الواهم، الذي صور لهم أنهم ظل الله في الأرض، وأنهم القائمون له بالحجة، وأنهم أرباب العقائد، فأذاقوا شعب جنوب السودان صنوف العذاب والعنصرية والإساءة والسباب ودفعوهم دفعا نحو الإنفصال وتقرير مصيرهم، وفتكوا ببقية الشعب أيما فتك بآلة القمع والتنكيل فجربوا فنون التعذيب الذي استوردته أجهزة المخابرات، وأسلحة التدمير التي استجلبت من دول كإيران، فأحرقوا جبال النوبة، ودارفور وفتكوا بالحجر والمدر والشجر، واغتصبوا الحرائر من البشر، ولم يتذكر منهم أحد قول الرحيم صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ”، وإلى الآن ينكر الإخوان أنهم قتلوا الناس جميعا وهو حكمهم عند الله: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ).
● لم يكن السودان يعرف هذا النوع من الحقد والبغض لخلق الله، فهو الوطن الذي جمع أهل السودان شرقه وغربة شماله وجنوبه ووسطه في دوواوين ومرافق ومؤسسات وخلاوى وجامعات ومشافي ومشاغل ومصانع ومؤسسات، جميعهم يعملون في تواد وتآخي وتسامح، إلا أن الإخوان تجردوا من كل أعراف السودانيين وسمتهم السمح، وتحلوا بروح المنبتين من قطاع الطريق وتنكر بعضهم حتى لآبائه، فلا تستطيع أن تنادي أحدهم بأبي سروال، أو آخر بمخطر، أو تنقير، أو آغا، فقد تبرأوا من أنسابهم وادعو انتسابا لغير آبائهم، وحاول بعضهم إلحاق أوصاف ونعوت وكني ليست له، والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ” «كُفْرٌ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ، وَادِّعَاءُ نَسَبٍ لَا يُعْرَفُ» “.
● رغم كل هذا لم يتناصحوا فيما بينهم، وظنوا أن هذا التيار المسمى بالإسلامي، قد أقام الدينة والفرائض، وعزز أركان السنة وشيد المساجد، ولم يعلموا أنهم أخرجوا الدين من نفوس كثير من الناس، وأخرجوهم من الملة، بعد أن رأوا وسمعوا جماعات تكبر الله، وهي تحرق القرى وترمي بالأطفال الرضع في النيران، وتغتصب الحرائر وتكبر، ويتفاخر رئيسهم بأن تلك مفخرة لا سبة، يريدون العودة ولو أن “ترق كل الدماء”، يتنادون لما سمي بمسيرة الكرامة الثانية، وهم الذين أهدروا كرامة الوطن، واستباحوا حرامته ولم يخرجوا يوم أن مرق رأسهم المخلوع كرامة هذا الشعب حينما هرع لاستجداء الحماية من الرئيس الروسي الشيوعي فلاديمير بوتين.
● لم نسمع لمسيرة كرامة حينما تعلق الأمر بإهدار كرامة المكرم من فوق سبع سماوات، فكل يوم تهدر فيه كرامة الإنسان السوداني ولمدة ثلاثة عقود، ظلوا يرددون أقولا انتقائية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ) ، ولم ينصح أحدهم الآخر بأن هذه الآية لها بقية توجب التحاكم لأمر الله الذي كرم بني آدم وحرم الاعتداء على حرماتهم، والواجب الاحتكام إلى قول الله: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) ، ولكنهم رفضوا أن يقرأوا القرآن كاملا وقرأوه على شاكلة قراءة قارئ يقف بوقف قبيح لقوله تعالى: (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ) ، وصمتوا صمت القبور يوم أن تم إذلال الأكارم من خلق الله في الطرقات بائعات الشاي والأطعمة، من يحرقن أجسادهن ويخرقن ثيابهن، ليأكلن الحلال، ولم يقرأوا قوله: (۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) ، فعن أي كرامة يتحدثون؟؟.
● تعالى صراخهم يوم أن قدمت البعثة الأممية المدنية بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لدعم الحكومة الانتقالية، ولكنهم التزموا الصمت يوم أن قدمت طائرات تحمل بعثة أممية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة واستقرت في دارفور السنوات الطوال، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة يوم أن رست سفن وبواخر وبوارج أجنبية في مياه البحر الأحمر، وكانت تنتوي قيادة الإخوان منحهم كل ساحل البحر الأحمر كما سمحت لهم باستباحة سمائنا وأضنا تدخلا وقصفا وضربا، فكان حالهم حال الذي يرفض الحق لغيره وحينما يكون له يتمثل قوله تعالي: ﴿ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ .
● يصطبغ مكاؤهم بآيات وأحاديث لاستجداء عواطف الناس، وتصوير أن الذين أسقطوا تجربتهم هم في أدنى الفروض علمانيون، وفي أبهى الصور كفار، يسبون لهم العقيدة، وربما تستباح دماؤهم وأعراضهم وتسبى نساؤهم، وهذا التصور لا يبشر باستقرار في السودان، فبحكم التجربة حينما سار عليه التنظيم الإخواني لثلاثة عقود، حرق البلاد، وأباد العباد، وأثار الفتن ما ظهر منها وما بطن، وكرس للعنصرية والشحناء والبغضاء، وأسس عليها منهجه التمزيقي للوطن.
● هذه الحجج تتهاوى والممارسة الحقيقة للنظام الإخواني والقناعات المضمرة والإيمان بأنهم يمارسون خديعة انطوت صفحاتها وأبقت جماعاتها، فالتجربة الإخوانية أثبتت ان الخرطوم كانت عاصمة علمانية بموجب اتفاقية السلام الشامل لمدة خمسة سنوات، الاتفاقية التي لم يجروء علي عثمان محمد طه كتابة البسملة فيها، ولم يحتج غازي صلاح الدين على علمانية اتفاق ماشاكوس، ولم يرفض البشير أن يكون نائبه الأول د. جون قرنق ومن بعده الجنرال سلفاكير، ولم يصرخ أئمة الضلال وعلماء السلطان من منابر المساجد برفض تولي أمرهم عند غياب البشير لشخص دينه يغاير دينهم، فصمتوا صمت أهل القبور.
● يحاولون الآن خداع أهل التصوف ورجال الدين لتحشيدهم واستخدام خلاويهم القرآنية للاصطفاف العنصري المقيت، وهو الأمر الذي تدركه بوعي كل البيوتات الصوفية النقية، التي لم تلطخ أياديها بدماء أبرياء أو فساد أموال عامة، ولكن سينخرط استجابة في هذه الدعوة البيوتات المتآمرة التي تجتمع عندها الجماعات الإنقلابية ويشارك ابناءها في أجهزة القمع والتنكيل لتصفية الخصوم حماية لهم وتحصينا لهم من الملاحقة الجنائية، فمعظم الذي تم اعتقالهم في الثلاثة عقود يعرفون أبناء تلك البيوتات بالإسم ومن أذاقوهم مرارة السجن وإذلاله وتعذيبة ورأوا كيف كان ينكل بالسودانيين من أبناء تلك البيوتات وعناصر بعض القبائل التي يحاول قادتها أيضا ممالأة السلطة الإنقلابية ودهمها حماية لمصالحهم التي قد تهتز من تحت أقدامهم لأن موسى الشوارع قد خرج من بيوتهم وأفرزت الثورة السودانية أفضل ما في البيوتات القبلية والصوفية من كرم وإكرام وشجاعة وبسالة وكرامة ومروءة ونجدة وشهامة لا يريد أن يراها سدنة الطغاة وزبانيتهم.
● ختاما:
•إن احتجاج الإخوان على الثورة ونهج الثوار واعتراضهم على العملية السياسية ومسودة الدستور التي طرحتها نقابة المحامين وتعكف على تقديمها للفرقاء الآلية الثلاثية تدعمها الرباعية الدولية وتراقبها بعثات ألترويكا والاتحاد الأوربي، ما تلك الاحتجاجات إلا حنين للفساد، والإفساد، والجرائم ضد العباد، والأفضل هو أن يحجزوا لهم مقعدا في المستقبل القريب بالإعتذار للشعب السوداني وتقديم مراجعات تسودها الحقيقة والمصارحة، والإقرار باقتراف الذنوب والكبائر في حق الشعب السوداني، والإذعان للمساءلات الجنائية التي تطال من أجرم منهم، وإلا فالتهديد والوعيد بتمزيق السودان أو حرقه حال تم تجاوزهم فلن يجدي، وقدر جربه المخلوع، وزبانيته، وطفقوا يهددون وهم يملكون أقوى ترسانة عسكرية وقوات أمنية انهارت أمام جحاف الشعب السوداني وأمتثلت لثورته الشعبية، وأي مغامرة غير محسوبة العواقف ستكلف التنظيم الإخواني المستقبل برمته، أمامكم تجربة الرفاه الذ تم حله في تركيا فتحول للفضيل فتم حله مرة أخرى ليستقر على مسمى التنمية والعدالة ليقدم تجربة تنموية وديمقراطية في تركيا حماها الشعب حينما حاول مغامرون الإنقلاب عليها.
• واجب الساعة هو أن يعكف مراجع الفكرة الذين تبقوا ليراجعوا المنهج، وألا يحاول منتسبوها إعادة عقارب الساعة، بذات الشعارات التي قيلت قبل ثلاثة عقود، فلا الشيخ موجود، ولا هناك دارفور لتحرق، لأنه لم يتبق منها شيء ولا نيل أزرق ليستثار لأن ما فيه يعتمل، ولا هناك ثروات لتنهب، فقد فصل الجنوب وجف الأنبوب، ولم يعد المال المنهوب، ولا المحيط الذي دعمهم بات مقتنعا بمشروعهم التضليلي، ولا العالم سيقبل بجماعات أدخلت بلدانها قوائم الحظر الدولي ووصمتها بالإرهاب، ولا يوجد شخص بقوة أو أموال الراحل أسامة بن لادن لكي ينهب التنظيم أمواله التي لا زال يستثمر بعضها بعض منتسبيه اللصوص، وحتى الذين جلبهم التنظيم العالمي من مصر باعهم صلاح قوش فب يناير 2018م بثمن بخس، وتمت تصفيتهم، فكل الذين يمكن استضافتهم هم طرداء بلدانهم المجردين من الأهل والأهلية، وأي محاولة شبيهة لاستدعاء الإرهاب وجماعاته في السودان، سيتصدى لها أبناء وبنات الشعب السوداني الذين يراقبون المساجد وساحات الدعوة وينخرطون في تواصل كثيف لتحصين البلاد من الفكر المنكفي والتطرف العنيف.
الهوامش:
١ .سورة المنافقون الآية 4
٢ . سورة الأنفال الآية 27
٣ . سورة محمد الآية 22
٤ . سورة المائدة الآية 32
٥. سورة النساء الآية 59
٦. سورة النساء الآية 59
٧ . سورة يوسف الآية 17
٨. سورة الإسراء الآية 70
٩. سورة النور الآية 49
عروة الصادق
[email protected]
12 نوفمبر 2022م