ما لا يعلمه “فولكر” من هواجس الأحزاب.
الغش هو السلاح الاستراتيجي لهذه الحركة الحربائية
قاعدة شائعة تقول: بامكانك أن تخدع بعض الناس، لبعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس، كل الوقت.
وهي قاعدة ربما تفسر ببساطة متناهية.. اسباب خلو قاعة فندق السلام روتانا امس، الا من أشخاص كانوا الي عهد قريب، في مركب نظام البشير الاخواني، تلك المركب التي تعهد الدكتور علي الحاج محمد زعيم المؤتمر الشعبي، ابرز الاحزاب المشاركة في لقاء الأمس.. بعدم القفز منها في وقت كانت تتجاذبها فيه الأمواج، وتكاد تعصف بها الريح.
اذ ليس بالإمكان مطلقا ان تمارس الغش والكذب والتدليس على الناس طول الوقت، وبالطبع عندما يزنك ذو التجارب بميزان تجاربهم المريرة تلك، فإنه سيصعب عليهم بالضرورة ان يتعاملوا معك من جديد بثقة ودون شك.
لدغة الثعبان:
فمن لدغه الثعبان يوما، من الطبيعي ان يخشى حركة اي حبل تعبث به الريح.
ولأن “الجبهة الإسلامية” بطبعها تنظيم احتيالي، فإن كل تنظيم سياسي او مسلح، خرج من رحم هذه الجبهة، يظل في نظر من اكتوي بممارسات الجبهة الام الاحتيالية، هو محتال كذلك الي ان يثبت العكس.
هذا ربما ما لا يعلمه الي الان “فولكر بيرتس”.
توجس الأحزاب:
ولذلك اعتقد ان توجس الأحزاب الأخرى بخلاف الأحزاب اخوانية الصلة والمصدر والنشاة، يظل توجسا مشروعا ومبررا، تعضده الشواهد التاريخية، وتعززه الاعترافات الموثقة لقادة هذه الجبهة انفسهم.
بل ان السودانيين ذهبوا في تصوراتهم المتشككة في نوايا وافعال هذه الجماعة الي حد النصح بمراجعة وتدقيق الاصابع حال فراغك من المصافحة لها مباشرة.
وينسب لسياسي مخضرم انه قد توصل من خلال مراقبته الطويلة والمستمرة لسلوك هذه الجماعة الي حقيقة تشير الي ان هذه الحركة او الجماعة او الجبهة – سمها ما شئت – لو انها رمت إشارة مركبتها الضوئية الي اليمين، فانها لا محالة ستنعطف يسارا.
السلاح الاستراتيجي:
المهم فإن الغش هو السلاح الاستراتيجي لهذا التنظيم، ولمن تخرج من مدرسته المتناسلة، ميكافيلية الطبيعة والطابع.
كنت قد نشرت في أغسطس من العام ٢٠١٨ مقالا بعنوان “هل تستطيع حرباء الإنقاذ إستعادة لونها المفقود؟” حاولت فيه ان اجيب على هذا السؤال بعد أن رصدت تمسحا وتقربا غريبا لنظام البشير الاخواني بمحور الإمارات والسعودية الذي يناصب الاخوان المسلمين العداء بشكل مطلق.
حتى ان البشير اعمالا لمنهج الحركة في الَمناورة والمداراة والمداهنة، اضطر لان يقول بحق تنظيم “الأخوان المسلمين” في حديث لصحيفة الإتحاد الظبيانية انذاك: (أن التنظيم الدولي لجماعة الأخوان المسلمين بات مهدداً لإستقرار بعض الدول العربية، مشددا علي رفضه الطابع الدولي للأخوان، منوهاً الي أن من حق الدول إتخاذ ما تراه مناسباً لخدمة أمنها وإستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للأخوان، و تدخله في شئون تلك الدول).
الأقنعة الزائفة:
فلعبة “الأقنعة الزائفة”، ظلت لعبة اثيرة محببة لدي حركة الإسلام السياسي في السودان، منذ أن أوحي شيخها لقائدها كلمة سرها “أذهب الي القصر رئيساً، و ساذهب الي السجن حبيساً”.
فقد أنفقت هذه الحركة غالب سنين عمرها، وبدَدت جلّ طاقاتها، في لعبة عقيمة، هي لعبة تغيير الجلود.. تلك اللعبة التي دأبت على ممارستها الجماعة منذ نشأتها الأولى ببراعة كبيرة، فهي تارة “الاخوان المسلمون” بصريح العبارة، ثم تلي ذلك في اطر جبهوية أوسع لكنها تدور في فلك ذات النواة الاخوانية الصلبة نشات “جبهة الدستور الإسلامي”، ثم “جبهة الميثاق الإسلامي” فالجبهة الإسلامية القومية، التي باءت بوزر واثم انقلاب “الثلاثين من يونيو” الذي اورث البلاد ما نحن فيه وعليه الان.. فقد ظل ديدن هذه الحركة انها.. ما ان تفرغ من سلخ جلد قديم بالي، إلا لتبدأ بإنبات جلد آخر جديد من تحته.
ربما عملاً بفقه السترة، اوالتقية، أو فقه الضرورة، اوالمرحلة.. فكل منظومة الحركة الفقهية تبيح بمظنة الخوف أو الحاجة، للخائف و المضطّر، مداراة حقيقة هويته وفعاله و مقاله.
لماذا انقلب البرهان؟:
لكن مع صعوبة أو قل إستحالة إخفاء ملامح و سمات الوجه الحقيقي لهذه الحركة الان وراء المساحيق و الالوان لأطول زمن في عصر كهذا.. يلح سؤال يطرق الذهن بقوة حول ما الذي وراء التحولات التي طرأت علي موقف الجنرال البرهان بعد الخامس والعشرين من اكتوبر، تاريخ انقلابه، وتاريخ عودته بشكل سافر جدا الي السرب الإسلامي، الذي تصدي لعدائه ظاهريا على الأقل، بعد الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩.. ترى هل السبب يعود الي أن البرهان قد راي برهاناً ساطعا لا قبل له به، ولا يقوي على منازلته، من إخوانه الذين نفذوا بقيادة اللواء بكراوي انقلابا مكتمل الاركان في ٢١ من سبتمبر الماضي، ثم عادوا عنه بشكل مريب، كأن شيئا من هذا القبيل لم يكن؟.
أم أن الجديد هو أن الحركة التي ينتمي لها البرهان حقا، قد يئست هي نفسها من لعبة خلط الالوان، فقررت بمحض إرادتها العودة الي لونها الأساسي، و وجهها الذي عرفت به عند الناس؟.
خاصية الوقاية اللونية:
إن إيقاف خاصية الوقاية اللونية، لا يقع بالضرورة إلا في ثلاث حالات.. حال أن معين الالوان قد جفّ أو نضُب، أو أن الالوان نفسها قد فقدت صلاحيتها، و بالتالي جدواها، أو حال ثالث يتأسس علي أن دواعي الوقاية و أسبابها قد أنتفت بزوال المخاطر التي إستدعت التبرقع تحت أقنعها.
خطة الطؤاري:
أو سبب رابع هو ادهى وأمر، دفع الحركة المحاصرة بين البحر والعدو، لخوض معركة وجودية، معركة حياة او موت، تدخل من خلالها البلاد ونفسها في مواجهة انتحارية، ومحرقة لا تبقي ولا تذر، ربما وفق خطة الطؤاري التي كشف عنها موخرا امين حسن عمر في مقابلة تلفزيونية، أكد بين تضاعيفها ان حركته تمتلك خمسمائة مقاتل مدرب، وقادر على حمل السلاح.
لام.. الف
سقط القناع، عن القناع
عن القناع.. سقط القناع
قد أخسر الدنيا.. نعم
لكني أقول الآن.. لا
هي آخر الطلقات.. لا
هي ما تبقى من هواء الأرض.. لا
ما تبقى من حطام الروح.. لا
حاصر حصارك لا مفر..
اضرب عدوك لا مفر..
سقطت ذراعك فالتقطها
و أضرب عدوك
سقطت قربك فالتقطني
و أضرب عدوك بي
فأنت الآن حرُ .. حرٌ و حرُ
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة
فأضرب بها، أضرب عدوك بها
أنت الآن حرُ.. حرٌ و حرُ
حاصر حصارك لا مفر
أضرب عدوك لا مفر
حاصر حصارك بالجنون و بالجنون
ذهب الذين تحبهم.. ذهبوا
فإما أن تكون
أو لا .. تكون.
محمود درويش
حالتي
اشهد الا انتماء الان
الا انني في الآن لا