لعل الحقيقة الراسخة لدى الجميع بأن أزمة السودان وشعبه تتمثل في ” النخب ” الحاكمة أو التي تتأهب لتحكم ، وذلك منذ بزوغ فجر أول حكومة وطنية ، المتتبع لكل الحكومات الوطنية سواء كانت مدنية أو عسكرية يجد كل الذين تعاقبوا على حكم البلاد هم دائرة جهنمية تربطهم علاقة ما مع بعضهم البعض ، وليس المقصود علاقة تنظيم سياسي أو فكري ، بل هي علاقة القبيلة والمناطقية وقد تمتد لعلاقات المصاهرة .. وغير ذلك ، والذي يدخل هذه الدائرة الجهنمية من عامة الشعب مهما تبوأ أعلى الوظائف سيظل بعيدا عن دوائر صنع القرار ، بالتالي الأزمة نفس الأزمة والاسلحة الصدئة نفس الاسلحة ، التي توجه لخاصرة عامة الشعب المغلوب على أمره .. لذلك الحل يكمن في تفكيك هذه الدائرة ” الجهنمية ” وتذويبها في عامة الشعب لتتحسس مواضع الداء الحقيقي ويصبح لها مصلحة في إنهاء معاناة الشعب ، بدلا أن تكون مصلحتها في التضيق على الشعب وخنقه .. وأعتقد هذا هو ” المنفستو ” الذي قامت عليه ثورة ١٩ ديسمبر ، والذي هو هدف رئيس وما دونه اهداف ظرفية . أي مثلا قضايا العدالة ورفع الظلم ومحاربة الفساد وغيرها ، بالتأكيد هذه القضايا يمكن أن يحدث فيها حل مؤقت رهبة أو رغبة في تخدير الشعب ولو مؤقتا وسرعان ما تعود هذه الدائرة ” الجهنمية ” لترتكب نفس الموبقات ، وإن تبدلت مواقع عناصر هذه الدائرة الجهنمية أي تحولت المعارضة لحكومة والحكومة لمعارضة . …نموذج يحدث الآن قيادات فاعلة في حكومة الثورة هذه والذين كانوا أشد المعارضين لحكومة الانقاذ البائدة بل قل جزء من الدائرة الجهنمية التي تبادلت المواقع مع الحاكمين الآن والذين بعض منهم يواددون الآن بعض حكام الأمس ، يواددوهم سرا ويؤكدون لهم بأنهم لا بد أن يظهروا لهم العداء من أجل خاطر ” المغفلين النافعين ” الذين يعتقدون بأنهم أنجزوا تغييرا .. الحقيقة الماثلة بأن ثورة ١٩ ديسمبر أحدثت هزة عنيفة في هذه الدائرة الجهنمية وما زالت هذه الدائرة ترتعب من فعل هذه الثورة لكن الحقيقة الماثلة بأن هذه الدائرة الجهنمية اعادت ترتيب صفوفها ، وفي محاولة جاهدة لرتق الفتق الذي حدث لها جراء الفعل الجماهيري القوي الذي هدد وجودها فعليا .. من ممارسة هذه الدائرة الخبيثة لمحاولة إعادة ترتيب صفوفها والإبقاء على الاوضاع على ما كانت عليه منذ الاستقلال وحتى الآن وإن تغيرت بعض التفاصيل وتبدلت الأسماء والمسميات ، من الوسائل الصدئة اشعال الحروب والفتن القبلية والمناطقية والاستقطاب الحاد والسيولة السياسية . والعامل المشترك هو الأزمة الاقتصادية التي تستخدم في كل الحالات سلما أو حربا .. حقيقة في حالة تغيير من حكم لحكم مثلا من مدني لعسكري أو العكس بالتأكيد جميعهم عناصر هذه الدائرة الجهنمية تحدث مثل هذه الأزمات لكن بشكل متفاوت ومتباين ، لكن الذي حدث عقب تغيير ١٩ ديسمبر كان اشد وطأة من العهود السابقة ، والسبب معروف هو قوة الفعل الجماهيري خلال مسار هذه الثورة و التي كان لا بد من مقابلتها بقوة أكثر فتكا حتى يتم كبح جماحها ، فبالتالي كان القتل الذي صاحب التغيير الاخير اكثر وبلغ ارقام قياسية والازمة الاقتصادية لم يسبق لها مثيل ، وكل هذه الافعال ظلت متواصلة ومتصاعدة وليس هنالك بريق أمل لتنتهي قريبا ، كما كانت تحدث حلول وقتية وتعود هذه الأزمات وقت ما احتاجها عناصر الدائرة الجهنمية .. لكن الان لم تتراجع هذه الأزمات لأن الفعل الجماهيري ما زال يعاند ومصر على هزيمة هذه الدائرة الجهنمية أو على أقل تقدير كسر دائرتها وتذويبها تدريجيا ، لكن حتى يحدث ذلك يتطلب صمود أطول للفعل الجماهيري وتقديم مزيدا من القرابين لخطب ود الحرية والانعتاق ، العامل المساعد الذي يمكن يساعد في صمود الفعل الجماهيري هو ضحايا الدائرة الجهنمية التي تتبادل حكم _ معارضة أو معارضة _ حكم .. حيث دائما هذه الدائرة اللعينة تقدم ضحايا ولو من بني جنسها لضمان بقاءها ك ” الدجاج يأكل بعضه ” .. تنويه مهم .. ” ليس كل من تبوأ منصب حكومي هو جزء من الدائرة الجهنمية وليس كل معارض خارجها ” .
أعتقد كل حديث يكتب الآن له علاقة بفعل يحدث الآن وعليه هذا الحديث الذي ذكرته آنفا تجدون مناسبته في المساحة التالية :
قبل كذا شهر استضافتني قناة الهلال الفضائية للتعليق على بعض المواضيع في نشرة اخبار التاسعة مساء وكان احد المحاور هو كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي ارقت مضاجع المواطن .. حقيقة لم اقل المخرج في الانتاج أو كبح جماح الدولار وإيقاف التهريب وترشيد الصرف الحكومي وخلافه بل قدمت طلب بسيط جدا وصريح ومباشر وأعتقد شريط الاخبار يكون موجود هو أن يخرج شركاء الحكم في الفترة الانتقالية العسكريين ممثلين في رئيس مجلس السيادة البرهان والمدنيين ممثلين في رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أن يخرجوا للشعب السوداني ويؤكدوا أنهم متفقين وعلى قلب رجل واحد ويكون هذا الاعلان قولا وفعلا ، أعتقد هذا هو الحل الوحيد لجميع مشاكلنا السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية بل والعلاقات الخارجية .. لكن لم يحدث ذلك ولا أعتقد هنالك اذن صاغية لحديثي ذاك أو حديث غيري إن كان يصب في ذات الهدف .. وظل الشد والجذب والمؤامرة تلو المؤامرة بين عسكريين وعسكريين ومدنيين ومدنيين ومدنين وعسكريين ، والأزمات في تفتك بالشعب .. وبما انها لم تنه الفعل الجماهير وهذا ما اراده صناع هذه الازمات ، بل الشارع استجمع قواه واصبح يقترت من الانفجار وحدد نقطة الانطلاق ٣ يونيو القادم والتي ستكون بمثابة الشرارة ولكن لا احد يعلم موعد الاشتعال الكامل ، عليه الدائرة الجهنمية استشعرت الخطر .. الأمر الذي يجعل بعض الأزمات تتراجع ولو بالوعود محادثات سلام في جوبا تغيير في المناصب وعود بتراجع الضائقة المعيشية .. لكن الحدث الأهم والذي يفتح بابا واسعا للتساؤلات هو ” اتفقوا ” حيث اجتمع المجلس المركزي للحرية والتغيير ب حميدتي واخرجوا بيانا للناس مبشرا بأنهم اتفقوا وكذلك اجتمع نفس المجلس بالبرهان وخرج بيان للناس وقال اتفقوا وان اتفاقهم هذا اول بشرياته حل الضايقة الاقتصادية وإصلاح مؤسسات الدولة واستعدال مسار الفترة الانتقالية !!! أليس هذا هو المطلب الذي عبرنا عنه على الملأ وظلت المكابرة سيدة الموقف .. هل منذ أن لملم محمد ولد لبات وابي احمد وموسى فكي والقادة العرب والافارقة لملموا اوراقهم ومسحوا دمعاتهم ورقصوا رقصة الوداع في قاعة الصداقة ، كل ذلك ” كأنك يا ابوزيد ما غزيت ” بمعني بعد سنتين من توقيع الاتفاق في ١٧ أغسطس ٢٠١٩م .. الآن يا سادة قادة الانتقالية يعلنون أنهم اتفقوا !!!
قوموا لثورتكم يرحمكم الله .. إنها الفرصة الوحيدة لكسر حلقة الدائرة “الجهنمية” وتذويبها ..