السودان… أمة على حافة الهاوية: حرب تطحن البشر وتبتلع الدولة !
في قلب إفريقيا، حيث يلتقي النيلان وتتشابك حضارات ضاربة في عمق التاريخ، يعيش السودان اليوم واحدة من أعنف مراحله وأكثرها قسوة. فبعد أكثر من عام على اندلاع القتال بين الجيش السوداني

ترياق نيوز – تقرير : سحر عبدالعزيز

في قلب إفريقيا، حيث يلتقي النيلان وتتشابك حضارات ضاربة في عمق التاريخ، يعيش السودان اليوم واحدة من أعنف مراحله وأكثرها قسوة. فبعد أكثر من عام على اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يعد الصراع مجرد تنافس على السلطة أو نفوذ عسكري، بل تحول إلى كارثة إنسانية تمس كل بيت، وتطال كل مدينة وقرية، وتغرس الألم في وجوه الملايين.
نزوح بملايين الوجوه… أكبر أزمة إنسانية في العالم اليوم
تحولت حياة ملايين السودانيين إلى مأساة مفتوحة على المجهول.
فبحسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) ومفوضية اللاجئين (UNHCR)، بلغ عدد المتأثرين بالنزوح ولجوء أكثر من 10 ملايين شخص:
7.8 مليون نازح داخلياً اضطروا للفرار إلى مناطق أكثر أماناً داخل البلاد، حيث المخيمات المكتظة والخيام المهترئة.
2.2 مليون لاجئ عبروا الحدود نحو مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وليبيا وإفريقيا الوسطى، ليعيشوا بين معاناة الحرب ومشاق اللجوء وتعقيدات اللغة والثقافة والتمييز في بعض المناطق.
في هذه المخيمات، تتجسد المأساة:
نقص حاد في الغذاء والمياه، تفشي الأوبئة، غياب الرعاية الصحية، وارتفاع معدلات الصدمات النفسية والاكتئاب وفقدان الأمل في العودة إلى الديار.
إنها أرقام تصفع الضمير العالمي، وتضع السودان على رأس قائمة أسوأ أزمات النزوح في العالم اليوم.
اقتصاد على حافة الانهيار: حين تصبح الحياة رفاهية
قبل الحرب، كان الاقتصاد السوداني يعاني من اختناقات مزمنة، لكن الصراع فجّر ما تبقى من مؤسسات وشرايين حياة.
توقفت المصانع والمزارع، تعطلت سلاسل التوريد، وارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
فقدت العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها، وتبخرت المدخرات، وتحول شراء السلع الأساسية إلى حلم بعيد المنال.
يقول خبير اقتصادي:
“الحرب دمرت البنية التحتية بالكامل. المزارع بلا عمال، المصانع بلا آلات، والقطاع الخاص مشلول. السودان يعود سنوات طويلة إلى الوراء، وربما عقوداً.”
انهيار الخدمات الأساسية: عودة إلى ما قبل الدولة
في أجزاء واسعة من السودان، اختفت ملامح الدولة:
انقطاع شبه كامل للكهرباء.
انهيار شبكات الاتصالات والإنترنت.
توقف جمع النفايات وانتشار الأوبئة.
إغلاق المدارس والجامعات، ما ينذر بضياع جيل كامل محروم من التعليم.
مدن كاملة تحولت إلى ساحات قتال، وأخرى إلى جزر معزولة عن العالم.
تداعيات إقليمية… نار تمتد إلى الجوار
الحرب داخل السودان لم تعد شأناً محلياً.
تدفق اللاجئين أثقل كاهل دول الجوار الهشة، وأشعل توترات قبلية، وعزز انتشار السلاح، مما يعمّق هشاشة منطقة القرن الإفريقي بأكملها.
جهود دولية خجولة… ومصير يزداد غموضاً
رغم محاولات الوساطة بقيادة “إيجاد” والمملكة العربية السعودية في جدة، فإن وقف إطلاق النار ما زال بعيد المنال.
تبادل الاتهامات بين الأطراف، والاستقطاب الإقليمي، وتعدد الحسابات الدولية، كلها عوامل جعلت تحقيق اختراق سياسي أمراً بالغ الصعوبة.
خاتمة:
شعب يقاتل من أجل البقاء
السودان اليوم يقف عند مفترق طرق مصيري:
إما استمرار حرب تمزّق ما تبقى من النسيج الاجتماعي،
أو إحياء بارقة أمل تقود إلى التفاوض والتهدئة وعودة الدولة.
لكن الزمن ليس حليف السودانيين.
فكل يوم يمر يعني مزيداً من الدمار، ومزيداً من الأرواح المشردة، وإغلاق نوافذ المستقبل أمام جيل كامل.
ومع كل هذا، يبقى السؤال معلّقاً في الهواء:
إلى متى يمكن لشعب أن يصمد في معركة البقاء؟













