اعمدةمقال

اسماعيل مضوي .. يكتب .. “انتكاسة العواجيز: تقاسم المسروق وشراءه مع الإصرار والترصد”.. عن المعز عمر بخيت، جيل الخيبة، وعودة الديناصورات إلى جثة الوطن

عن المعز عمر بخيت، جيل الخيبة، وعودة الديناصورات إلى جثة الوطن

 

 

 

     في عالم أكثر من نصفه في المستقبل، يقف السودان عند حافة قبره، يمد يده المرتجفة، فيجد من يمسك بها… ليس لينقذه، بل ليسحبه إلى العمق. ومن هؤلاء الذين يتفننون في “الردّة الثورية”، الدكتور المعز عمر بخيت، الشاعر النبيل سابقًا، والوزير “الظريف” لاحقًا، وواحد من رموز جيلٍ فشل في مغادرة خشبة المسرح حتى بعد سقوط الستارة.

 

 

 

 

 

البرهان، المشير المتقاعد معنويًا، والمغروس في بورتسودان كجذع شجرة لا تثمر إلا بيانات فشل، قرر تعيين المعز وزيرًا للصحة، في لحظة تبدو فيها وزارة الصحة كأنها غرفة إنعاش داخل مقبرة، لا تحتاج إلى طبيب، بل إلى جرّاح ضمير.
هنا لا بد أن نسأل:
ما الذي يدفع بشاعرٍ، ومثقفٍ، ورجلٍ ادّعى أنه “صوت الوعي”، إلى قبول منصب في حكومة تدار كمتجر مسروق؟

 

 

 

الإجابة ببساطة:
لأن المسروق يغري أكثر مما يغري المشروع.
لأن جيل “النخبة الصفيحية” – الذي قال عنه التاريخ: لقد مضى أو وجب أن يمضي – ما زال يتصرف وكأن الوطن خزانة شخصية تأخرت في صرف معاشاتهم.
جيل الخيبة… حين يصبح الكهول عبئاً على الثورة
جيل المعز عمر بخيت وأترابه من “الرموز التالفة” ليس مجرد جيل سياسي فشل، بل هو جيل أخلاقي فرّط في معنى الوطن، ثم عاد يتسوّل على بابه بعدما أفلس في المنافي وفشل في التقاعد. هو جيل يعرف أن البضاعة السياسية اليوم مسروقة، مغشوشة، مُلطّخة بالدم… ومع ذلك، يشتريها بكل حماسة، مع الإصرار والترصد، والعلم بأنها منهوبة من فم أطفال السودان.
المعز ليس استثناءً، بل هو مجرد مقدمة لقائمة طويلة من “النخب الكرتونية” التي لو فتحت لهم أبواب المناصب، لسابقوا الكيزان في عدد القرارات، والشتائم، والمخصصات.
أناسٌ لا يعانون من قلة الخبرة، بل من كثرة القبح.
ولا يفتقرون إلى الرؤية، بل إلى الحياء.
وقد بلغت بهم الوقاحة أن ينتقدوا الفساد بألسنتهم بينما جيوبهم تنتفخ من عائداته.
من الثورة إلى الثروة: زحف المعاشيين نحو جثة الدولة
إن عودة هؤلاء إلى الحكم، تحت أي مسمى، هي ليست مشاركة سياسية، بل نهب علني لما تبقى من الكارثة.

 

 

 

 

 

 

 

إنه تقاسم الغنائم بعد المذبحة.
إنهم لا يأتون لبناء، بل ليقتسموا ما خلّفته الحرب والمليشيات والخيانات.
لا تندهش حين ترى أحدهم وزيرًا، ثم سفيرًا، ثم خبيرًا في إحدى الفضائيات، وهو في نفس الوقت يشتم الثوار، ويتربص بالشباب، ويتهم من بقي له ذرة كرامة بأنه “قاصر سياسي”.
هم لا يؤمنون بثورة، بل يكرهونها لأنها كشفت عجزهم.
لا يؤمنون بتغيير، بل يخشونه لأنه سيقذف بهم إلى المتاحف.
ولذلك فهم يتحالفون مع كل ما هو قبيح: برهان، حميدتي، الفلول، السوق الأسود، وكل شيء يضمن بقاءهم في الصورة حتى لو كانت مقلوبة.
يا معز عمر بخيت، هذه ليست وزارة… هذه حفرة
يا معز، يا من كتبت الشعر في المنافي، أما آن لك أن تفهم أن الكارثة ليست في أن تتقلد منصبًا، بل أن تفعل ذلك في لحظة وطنية ملوثة، وسط جثث الشهداء، وتحت خيام النزوح، وعلى أنقاض المستشفيات التي أحرقها من تحالف معهم من عيّنك؟
هل تظن أن التاريخ سيحتفظ لك بعنوان “الوزير المثقف”؟
بل سيكتب: واحد من الذين لبسوا الكرافات فوق جراح الوطن.
سيقول: باع القصيدة ليشتري قرارًا وزاريًا على ظهر باخرة الهروب إلى بورتسودان.
وفي الختام: إلى من ينتظرون دورهم في الصف
يا من تتهيأون لتعيينات قادمة…
يا من تنفخون سيرة “الكفاءة” وأنتم بلا شرف ثوري…

 

 

 

 

 

يا من تنتظرون أن يُقَال أحد لتُقالوا أنتم مكانه…
اعلموا أن أسوأ من الكيزان، هو من خلع ثوب الكوزنة ليرتدي عباءة “المستقل الوطني” ويغوص في ذات المستنقع.
السودان لا يحتاجكم.
أنتم لستم فرصة، بل لعنة مكررة.
وإن تم تعيينكم، فاعلموا أن الشعب قد يتأخر، لكنه لا ينسى.
وكل خيبة لها زمنها… وعارها.
المعز يعلم تمامًا أنه لن يستطيع أن يقدّم شيئًا يُذكر، ولا أن يُصلح حالًا في ظل غياب التمويل وانقطاع السودان عن المجتمع الدولي، لكنه مع ذلك يقبل التعيين، لا حبًا في الوطن، بل لبناء مركز نفوذ شخصي داخل وزارة الصحة، تمامًا كما فعل مأمون حميدة من قبله، حين حوّل الوزارة إلى بوابة استثمار خاص، وأصبح أكثر وقاحة من الكيزان أنفسهم، لم يطوّر الخدمات الصحية بل فرّغها من محتواها، وفتحها للأغنياء فقط، تاركًا الفقراء يموتون على أبواب المستشفيات….

ونواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى