زهير عثمان.. يكتب.. عمرو شبعان: ذاكرة حديدية في خدمة الصحافة السودانية وضميرها الحي
إذا كان لكل مهنة فارسها، فإن عمرو شبعان هو فارس بلا منازع في الصحافة السودانية، ليس لأنه الأكثر ظهورًا، بل لأنه الأكثر تأثيرًا في الظل. هذا الرجل الذي يختار أن يعمل من خلف الكواليس، يشبه النهر العميق الذي يغذي الأرض في صمت، تاركًا للآخرين أن يحصدوا الثمار.
لا يمكن الحديث عن عمرو شبعان دون التوقف عند مشروع نقابة الصحفيين السودانيين، ذلك الحلم الذي ظل معلقًا في الفضاء السوداني لسنوات طويلة، والذي أسهم في إنجازه بصبر لا يعرف الكلل. عمرو، رغم أنه ظل الرجل الذي “يختفي في المشهد الأخير”، إلا أن بصمته كانت واضحة كالشمس، فهو المهندس الذي رتب الأحجار بعناية لتبني هذا الصرح، متجاهلًا أضواء الإنجاز ومتجنبًا المنابر.
الصحفي والإنسان: ذاكرة تتحدى النسيان
ما يميز عمرو شبعان، ويتجاوز به حدود الصحفي التقليدي، هو تلك الذاكرة التي وصفها البعض بالحديدية. في كتاباته الأخيرة عن زملائه وزميلاته، استطاع أن يروي تفاصيل دقيقة ربما نسوها هم أنفسهم. تفاصيل لا تقتصر على حياتهم المهنية، بل تغوص في أعماق علاقاتهم الإنسانية وطموحاتهم. هذا النوع من الكتابة يتطلب ليس فقط موهبة، بل قلبًا ممتلئًا بالوفاء. عمرو يكتب بروح من يحب زملاءه، بروح من يرى أن في ذكرهم وتوثيق مسيرتهم شهادة حق، ووفاء للصحافة ككيان يتجاوز الأفراد.
التحليل السياسي والمهنية المتفردة
عمرو شبعان ليس فقط كاتبًا مميزًا في مجال العلاقات الإنسانية بين الصحفيين، بل هو أيضًا محلل سياسي لافت، يمتلك قدرة خارقة على قراءة المشهد السياسي السوداني بتعقيداته وتشابكاته. كتاباته لا تقتصر على توصيف الظواهر، بل تحللها وتضعها في سياقات أوسع. وهو من أوائل من نادوا ببناء كيان يجمع أبناء الخرطوم العاصمة، برؤية تهدف إلى تحويل التعدد الثقافي والاجتماعي في السودان إلى قوة موحدة لا مفرقة.
شبعان: الرجل الزاهد المتبتل في محراب المهنة
ما يجعل عمرو مختلفًا عن الكثير من الصحفيين هو زهده في الأضواء. إنه من ذلك النوع الذي يحب أن يرى العمل يُنجز، لكنه يترك الآخرين يتقدمون في الصفوف الأمامية. هذه السمة لم تجعل منه فقط صحفيًا مميزًا، بل جعلته نموذجًا يحتذى به في الإيثار والتجرد.
الذاكرة التي تلتهم الجسد
ما يُشفق على عمرو شبعان ليس مرضًا جسديًا بقدر ما هو هذا العبء الفكري والهمّ العام الذي يحمله. كيف لرجل يحمل في ذهنه الوطن كله، بكل ألمه وأحلامه، أن ينام مطمئنًا؟ وكيف له ألا ينهك جسده وهو يستمع لأنين الصحافة السودانية وآمالها في الحرية والاستقلال؟
إلى عمرو: كلمة حق لا تخشى إلا التقصير
يا عمرو، إنك لست فقط زميلًا للصحفيين، بل ضميرهم الحي. كتاباتك ليست مجرد نصوص، بل هي شهادات تعبر عن وفاء لا ينضب، وأمانة لا تعرف الحدود. أنت الصحفي الذي لم يخن مهنته، والمواطن الذي لم يساوم على وطنه.
ختامًا، ربما نكتب عنك اليوم، ولكن غدًا ستكتب عنك الأجيال. لن ينسى السودان عمرو شبعان، الصحفي الذي آمن بالكلمة الحرة وبالوطن الحر. لك التقدير، والاحترام، والشكر بحجم ما أعطيت وما ستعطي.