(لا أريد مائة صديق بل صديق لمائة عام)… وفقًا لهذه المعادلة البسيطة يمكن اكتشاف التطابق الثر بين الحكمة وبين سيدة الأدب والتهذيب والمجاملة هانم أدم سكرتيرة التدريب في نِقابة الصحفيين.
هانم المعلمة والأستاذة الجامعية لم تحتر كثيرًا أو تتعثر في ممارسة الاختيار بين صحافتها وبين طبشورة التدريس في الجامعات، فانحازت لعشقها الأول دون تردد أو محاباة لتكمل عقد زين جيد نقابتنا… وننتظر رد الجميل…
لم يكن اختيارها ذات انتخابات عبثا أو ضربا من الحظ، بل وفق معايير من حدة صرامتها دامية، فالأستاذة الهادئة لم تسع بتاتًا البتة في أن تكون داخل دائرة الأضواء أو في عمق تختة التنشين، لكنها لم تتردد لحظة في قَبُول التكليف ولم ترهب من فداحة الاختيار وصعوبة التحدي…
تمتلك من رباطة الجأش ما يحسدها عليه الكثيرون، وتجعل الرجال وأشباههم إن كانوا يفقهون ينحنون احترامًا وتجلة…
فالفتاة التي لا تملك من حُطَام الدنيا سوى احترام الجميع لها، وتحقيقات صحفية سطرت بها اسمها ضمن المتفردين مهنيًا، عاشت مرارة الاستهداف قتلا وحرقا من مغول أو تتار الألفية الثالثة، فلم تحمل على أكتفاها سوى هم النقابة ووالدتها المريضة، وبعزيمة النبلاء تخوض مجازفات التوصيل بسلامة إلى حيث تكون..
هانم التي نراها لم تشف من جراح المغامرة ولا إهانات الطريق، ولا استفاقت من حسرات القلب على عزيز ضائع أو شقيق مستهدف أو آخر مقتول، أو فقدان صديقة روحها عايدة قسيس في الرحلة إلى السماء..
وبين كل ذلك تظل ابتسامتها الوقورة تزيد وجهها ودًا، وتزيد المعاناة في معدنها الصلابة والأصالة والتفرد والنبل..
الكرم والمرؤة والشهامة ليس عنوانا لطبعها أو زينة لمنزل أسرتها بل متلازمة تكوين وتربية وجينات، ودونهم تشعر هانم بالعار والإحراج والخجل … مجاملة على حساب نفسها في الكثير المؤلم، تختلف معها فتبادرك باستمرار الاختلاف بسلام مترع بالبشاشة وسعادة اللقيا… تفاجئ الصديقات والأصدقاء بالهدايا دون أدنى مناسبة سوى سعادتها الجمة بالصحبة وعمق الصداقة…
هانم على الرغم من معاناتها ورحلتها في ظل مجازفات الـ لا معقول، ساهمت بعرقها وزملائها في إنجاز فرص للتدريب- بعد الحرب فقط منذ أغسطس العام الماضي- استفاد منها 314 صحفي، بيد أن فرصة التدريب الكبرى التي تعلمنا فيها ومنها، كانت رحلة هانم نفسها المحاصرة بالمخاطر والمحاطة ببر والدتها ولوعة قلبها على افتقاد سندها آنذاك شقيقها الذي كان ضمن المستهدفين قبل أن يكتب له الله النجاة، فكان الدرس عنواناً للصمود والصبر والجلد وفصل العام عن الخاص، لإنجاز أمانة النِّقابة ومشروع التدريب وكأنها منبتة عن عوالمها المترعة بالجروح…
(يموت الشجر بجانب البئر عطشا لكنه لا ينحني أبدا لطلب الماء)-أو كما قال درويش- هذه هي هانم آدم لمن لا يعرفها وهيهات ألا يكون هناك من لا يعرفها… ببساطتها وطيبتها وكرمها وبشاشتها وخجلها حتى في الاعتراض…
هي أستاذة في كل شيء، فلا تخضع للتقييم الزائف القائم على الرغائبية وتوظيف النصوص في توقيت خبيث محسوب بدقة، لعقليات أدمنت التفرج والاسترخاء بعد أن رتبت أوضاع أسرها ولم تحفل بأسر الموجوعين والمحتاجين والمفجوعين من أعضاء المكتب التنفيذي ولا أحوالهم المعيشية، أو عزاب فشلوا في ترجمة أسئلة الحياة بنجاح، فلم يستوعبوا معنى أن تكون محاصرًا بين حبيبة ورغيف ومسؤولية أمانة بعثرت الحرب تفاصيلها، وبإرادة العمالقة بقيت النِّقابة وظلت واستمرت وستستمر ولا مجال للتقييم..
فعبثًا يحاولون تكسير كل ما هو جميل تحت بؤس الطموح والبحث عن شهرة ربما أو إرضاء ذات.
وأخيرًا كوني بخير أستاذتي فمثلك لا يخضع للتقييم..