اعمدة

عمرو شعبان.. يكتب.. عن وليد النور أتحدث !

 

 

 

    أروع ما في حبنا لنقابة الصحفيين أنه حب بلا عقل أو منطق، وأجمل ما في حبنا لأعضاء مكتبها كبيرهم وصغيرهم ذكورهم وإناثهم أنه حب يمشي على الماء ولا يغرق -كما يقول…
واليوم نستهدف بالحديث أحدهم..
لم يكن يدرك أن المقادير ستضعه في طريق التصدي لأصعب المهام وأكثرها إزعاجًا وهي إرضاء الناس بتلبية حاجاتهم الملحة…
سار مطرق الرأس ذات يوم في شوارع ود مدني العزيزة، لا يلوي على شيء، همه البحث عما يكمل به أموال توصيل أسرة-جمع سرير- قام بتجهيزها بجل ما في جيبه من مال لتأسيس ما عرف لاحقا بمقر إقامة الصحفيين النازحين بفصول مدرسة “ود عشير” التي تم تخصيصها بمجهودات الزملاء من صحفيي ود مدني الكرام ومداومتهم بالـ(نقة) على رأس الجهات المعنية… فكانت المدرسة ويدوم الشكر …
– يسير مطرق التفكير مليًا في إيجاد مخرج وحينما أعياه البحث التقطته عيناي حاملًا سريرين على أكتافه، ونقاط العرق تحرق عيناه في شمس لا ترحم، يريد العبور بهما وتوصيلهما من سوق مدني الكبير حتى الدباغة… وهو طريق ومشوار لو تعلمون عظيم…
السماء لم يكن امامها من خيار امام هذا التجرد والتواضع والاخلاص والتفاني سوى تسخير القلوب، ليجد من يوافق بالقليل الذي تم جمعه من جيوب البعض في -تكتك-، فتنتصر إرادته في المساعدة وتقديم العون وتأسيس المقر، ليكون وليد ظهرا لمن لا ظهر له…
هذا هو وليد النور … الذي طرح نفسه صندوقًا متحركًا للإعانات والمساعدات وستر ظروف الزملاء والزميلات قبل أن تتفتق عبقرية البعض عن فكرة استعادة النِّقابة، التي كانت وستكون وستظل الدرع الحامي والواقي لحقوق ومصالح الصحفيين…
شخصية فريدة تجمع ما بين لطافة اللقاء وبشاشته، والتقطيب ما بين الحاجبين في غضبه وثورته، مترع بالترحاب والكرم مثله مثل كل السودانيين ينزوي لـ”الشمار” متهلل الأسارير لكن ما يسمعه لا يبارح المكان الذي قيل فيه…
لم يزايد على زميل أو زميلة، بل يؤمن بأن ظروف الناس تاج على رأسه، فإن لم يلبيها وكأنما أهمل ذاك التاج فيفقد بريقه، فيعاقبه النوم بالحرمان …
آخر محطات مجادلته كانت في إجباره إجبارًا على نشر بيان باسم سكرتاريته عن عدد الذين تلقوا عونا من السكرتارية غض النظر عن طبيعة العون من جسم لا يملك أي موارد أو استثمارات، بعدما ارتفعت أصوات من لا يعلمون مهطرقين بلا علم ذات شهر مضى، أن التقصير يلازم العمل وأن المحسوبية هي العنوان وأن الإهمال هو الجوهر، وأن العلاقات الشخصية هي من تحدد الأولوية..
فكانت المعجزة بالأدلة والبراهين أنه يقدم أحيانا من جيبه الخاص دون من أو أذى… ويضحك الجميع هازئًا من فرط مهزلة الأحاديث..
ولمن لا يعرفون فهو إبن عز وأرض وطين، مملوء العين، نقي القلب يعكسها حديثه عن الطرائف والمواقف والقفشات… من ذوي الأيادي البيضاء…
ظللنا دوما على اختلاف بل سنظل وسيستمر، بل وبتطرف في الاختلاف معه وتقديراته وربما مواقفه…
اختلاف بلغ حد رفضي لمجرد ترشحه ضمن طاقم القائمة التي شكلت المكتب لاحقًا، فكان أدبه الجم وتهذيبه الراقي حاسمًا في الوصول إلى معادلة تقضي بأن الحكم للأعمال وليس النيات فكان وليد اجتماعيًا و(عايدة قسيس) رحمها الله أمين سر سكرتاريته، وقد كان… فمن مثله يعلم خبايا وظروف الناس الذي كان أمينًا عليها قبل المنصب فمَا بالنا ببعده، وقد كان مغيثًا ونصيرًا لمن استغاثه من بعد الله تعلى …
وليد النور … حروف اسم يختلف في تقييمها الكثيرون، بيد أن العامل الحاسم لكل تقييم، هو قدرته على الإنجاز دون حديث أو مزايدة… ويكفيه أنه مترع بمحبة واحترام كل من التقاه في كل محافل التمثيل النقابي والسياسي وقبل ذلك في دوائر تغطياته المهنية…
يقول رأيه بصراحة يواجه بصرامة ويفاوض وهو مدرك لهدفه الذي يريد الوصول له بوضوح رؤية وثقة…
ويكفي أن أقول فيه مثلما كتب الصديق -ياسر بيناوي:
وياما تتسع الحياة
لما خلق الناس تضيق
تنفجر في القال حياة
والجاء للتاريخ يعيق
من وليدات حلتك
لي بنيات الفريق
تدخل البسمة اللتك
تطرد الحزن الغريق
والشمس هبدت بكانا
شان توقينا الحريق
أو أريج البرتكانة
فاح يشهينا الرحيق
خطوتك سبقت خطانا
دار تورينا الطريق
ويبقي في الآخر لقانا
والوطن فوق يا رفيق
* * *
نستبق رحلة قيل أنها للتقييم الذي نصفه بالبائس، ليستهدف وزن عرق ومجهود الزملاء/ت في نِقابة الصحفيين بعد عامين من الصمود بلا عون أو مساعدة، في محاولة مفضوحة ومكشوفة لفتح أبواب التنشين على منصتها وإحناء جبهتها المرصعة بالاحترام، عبر تفشيل صحفيين ينتمون لذات ظروفنا في النزوح واللجوء، في الفلس وعدم العمل والخوف من مجهول المستقبل. ومع ذلك نطالبهم بحكم خبثاء التقييم أن يتجردوا من ظروفهم ويخرجوا من جلدهم، ليكونوا لنا جسر العبور نحو الاستقرار …
تبا للعقل والمنطق وألف تب للعقلية التي توظف النصوص لتحقيق المآرب والطموح غير المشروع بحكم التوقيت…
شكرًا وليد ألف شكر…
ويدوم الاختلاف يا زميل

زر الذهاب إلى الأعلى