اعمدة

انتبهوا ايها السادة… الوطن يحترق.. اليس فيكم رجل رشيد

ما بين غندهار و السوق المركزي و الجنينة،، الضعين، نيالا و مليط،،مرورا بمدني و الحصاحيصا، و ود النورة و انتهاءا بالسريحة و مجازر سهل البطانة…. كان هذا الموت المجاني… لمواطن مغلوب على أمره.. لا ناقة له و لا جمل في هذه الحرب القذرة.. وجد نفسه في شرك.. ام زريدو. ما بين مطرقة رصاص الدعم السريع و سندان قذائف القصف الجوي…
لأكثر من عام و نصف العام، ظل هذا الوطن الجريح المأزوم، يدفع فاتورة هذا العبث و هذا الجنون علي مدار الساعة… و لا بواكي عليه.
تفرقت دماء الضحايا بين الاتهام و الاتهام المضاد… بين النفي و النفي المضاد.. و بين صمت القبور من المجتمع الدولي و الإقليمي… ليس له غير عبارات شجب و ادانة و الاعراب عن قلق تذروه الرياح..
نعم نحن أمام معادلة عكسية.. العسكر يحكمون.. و المواطنون دفاعا عن أغراضهم و اعراضهم مطالبون.. نحن أمام ليس فقط،،،حالة اللادولة.. بس حالة اللاحرب.. ان جاز لي التعبير.. حرب في ظاهرها موجهة ضد المواطن… فهو الذي يسدد فاتورتها.. و ضحية لقصور من أنيط بهم قانونا و دستورا حمايته..
نعم تلك هي حالة اللاحرب. او بعبارة أخرى حرب غير طبيعيه..

فما يحدث من تداعيات و تجاوزات و خروق لقوانين الحرب و قواعد الاشتباك و انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني… يقف شاهدا علي صحة هذا التوصيف الذي ربما يدهش البعض..
إن ما حدث في الجزيرة… هو ترجمة لهذا التوصيف… فإذا تمعنا في العقيدة العسكرية لعناصر الدعم السريع..
ان كنا نحن أمام حرب طبيعيه.. فما الذي جعل الدعم السريع.. بعد انسحاب الجيش من مدني.. مما يعد في الحسابات العسكرية انتصارا له،، ان يستبيح من بعد المدينة و كل قري و حضر ولاية الجزيرة؟؟؟ لم يكتف الدعم السريع بترويع و نهب مقتنيات المواطنين،، و و تشريدهم. بل سرقة حتي حصاد عمرهم و قوت يومهم من منازلهم.. فضلا عما حدث اثر استسلام مجرم الحرب كيكل ..استسلام كان وبالا علي اهله و عشيرته في سهل البطانة و لم نري بعد اي قيمة عسكرية لانشقاقه… لم نري غير نزيف الدم و الموت المجاني ،،
حيث دفع الأهل هناك ثمن هذا الانشقاق بالدم و الدموع.. و كانوا ما بين مطرقة الدعم السريع و سندان الجيش… و حيث لم يكتف بما حققه من كسب عسكري في تمبول.. بل اجتاح في حملة دفتردارية أكثر من مائة قرية في سهل البطانة حسب روايات شهود عيان في المنطقة.. فمنهم من مات او شرد او روع إما بالقصف الجوي او برصاص الدعم السريع.. و قد اصبح الشعب السوداني كبش فداء لصراع علي السلطة..
هذه ليست حربا هذا إعادة انتاج للنهب المسلح كوبي بيست من دارفور الي شمال السودان…
لقد شهد السودان من قبل عدة حروب أهلية. لكن لم تكن مصحوبة .. كما يحدث حاليا، بمثل هذه الانتهاكات التي تنفي منها صفة الحرب الطبيعية.
و لذلك.. كان لرفض الجيش التفاوض و الحل السلمي للصراع القدح المعلي في اطالة امد الحرب و معاناة المواطنين و هدم البنية التحتية للوطن.
و لو فطن الكل لهذا التوصيف لعمل علي وقف هذا الحرب منذ اعلان جده في مايو من العام الماضي.. و لما حدث كل ما حدث.. لكن بكل اسف هناك من الساسة من سولت له نفسه التكسب من ركام الوطن و اشلاء المواطنيين.. بتقديم المصالح الحزبية و الذاتية الضيقة علي المصلحة القوميه. لم يجيب دعاة الحرب بعد علي هذا السؤال المفصلي!؟ ثم ماذا بعد ان تضع الحرب اوزارها.. ماذا في جعبتكم لليوم التالي..؟؟ و اي انتصار في نهاية المطاف سيكون بطعم هزيمة وطن بأسره..
فواهم من يعتقد ان هذه الحرب قد جبت ما قبلها من ثورة مهرها الشباب بدمائهم،،،و من انقلاب اطاح بالتحول الديمقراطي.. واهم من يعتقد أن هذه الحرب ستصفر العداد و تعود بعقارب الساعه الي الوراء…
فهم سوف لن يرثوا غير دولة مفلسة و معزولة من محيطيها الدولي و الإقليمي… و شعبا تفرقت به السبل ما بين نازح في الداخل و لاجئ خارج الحدود… فماذا يا تري هم فاعلون في دولة أفلسها الإنقلاب و انهكتها و دمرتها الحرب..
و عليه يجب التفكير خارج الصندوق.. لكي يكن البديل للحرب مشروع وطني جامع و تحول ديمقراطي.. يتم به التداول السلمي و السلس للسلطة عن طريق صندوق الاقتراع، ،، بدلا عن صندوق الذخيرة. Ballot and notBullet Box

و لكن تبقي الحقيقة أن كل فرقاء النزاع لا يأبهون بهذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث…فقد وصفها المجتمع الدولي و الإقليمي وصفها بانها افظع كارثة انسانية يشهدها العالم اليوم…
فالعالم شهد عدة نزاحات مسلحة …إلا أن ما يحدث في السودان لم يكن له مثيل من حيث التداعيات الخارجية و الاثار الكارثية علي الوطن و المواطنين…موجات من النزوح و اللجوء لم يشهد فعلا العالم مثيلا لها..بلد لم ينزح مواطنوها فحسب و إنما الدولة بأسرها قد نزحت..نزحت مؤسسات الدولة من العاصمة و لجأت البعثات الدبلوماسية الي عاصمة بديلة ..و حيث أصبحت الخرطوم مدينة للاشباح…كل القطاعات الاقتصادية و التعليمية و الخدمية و الثقافية و البنية وجدت لها ملاذا آمنا خارج حدود الوطن…فمن لم يمت بالدانات مات عطشا في الصحاري فرارا من جحيم الحرب و منهم من مات غرقا في النهر كما حدث في سنار. أو في كارثة السيول كما حدث في كسلا …حيث استجار النازحون هناك من ويلات الحرب ليواجهوا بكارثة السيول..
…و منهم من مات بنقص في الأدوية و المعينات الطيبة…بل منهم من مات حسرة و هو بري بأم عينيه الحرب تأكل شقي عمره .
تعرضت البنية التحتية و المرافق الصحية و التعليمية و الثقافية و الخدمية لدمار شامل ..نزحت الي خارج حدود الوطن جامعات و طلاب و صناعات و مبدعون و صحفيون و اعلاميون…اختفي تماما الاعلام الرسمي و الخاص فيما عدا التلفزيون القومي الذي نزح الى بورتسودان التي جعلت منها الدولة عاصمة بديلة…لأول مرة في تاريخ النزاعات في السودان…
نزحت صالات الأفراح و مآتم الاتراح الي العاصمة المصرية..كما لاح في الأفق شبح المجاعة..و قد بدأت بالفعل في بعض معسكرات النازحين كما اشارت لذلك تقارير دولية.
و لعل من اخطر تداعيات هذه الحرب العبثية.. انهيار تام للعملية التعليمية… و لا بواكي على اطفال و طلاب قفزت هذه الحرب بمستقبلهم نحو المجهول.. سوف لن يدخل تلميذ المدرسه بعد اليوم إلا حين يبلغ التاسعة من عمره. فهناك دفعتان من طلاب الشهادة السودانية في انتظار الامتحانات.. و ان استمرت هذه الحرب لستة شهور اخري ستلحق بهم دفعة ثالثة.. الامر الذي سيؤدي الي تراكم الدفعات في العام الجامعي الاول.. حيث ما برحت دفعتان في العام الاول في الجامعات الحكومية… ينتظرون استئناف الدراسة… بأستثناء الميسورين منهم الذين انتقلوا للدراسة في الخارج… هذه جريمة انسانية مسؤول منها كل من ينادي باستمرار هذه الحرب القذرة..
كما لاحت بوادر الحرب الأهلية بالتحشيد القبلي و التحشيد المضاد؟
كما ان هذه الدولة تشهد عزلة دولية و إقليمية غير مسبوقة..عزلت حتي من محيطها الافريقي .كما شهدت توترا في دول الجوار..و علقت علاقاتها مع كافة المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف بما فيها بنك التنمية الافريقي، الذي كان السودان من المؤسسين له..بل كان مامون بحيري عليه الرحمة والمغفرة اول المحافظين له..

كل هذه الكارثة الإنسانية و الأزمة الوجودية التي تهدد بانهيار الدولة…تضع المتقاتلون أمام مسؤوليتهم التاريخية…أمام وطن يكون أو لا يكون.أمام مواطن ظل يدفع فاتورة هذه الحرب العبثية المدمرة علي مدار الساعة و خلال عام و نيف.
و لعل ما يدعو إلي الاحباط و الحسرة فشل النخبة السياسية عسكر و مدنيين في التوصل علي مدار العقود الماضية الي حل مشاكل السودان داخل البيت السوداني…مما جعل الباب مواربا أمام التدخلات الأجنبية…لاسباب منها انسانية و منها لتمرير أجندة اقتصادية و استراتيجية…
فعلي السلطات التقاط القفاز باعتبارها المسؤول الاول عن حماية المواطن و الدفاع عن الوطن و الحيلولة دون انهياره..
فالانتهكات و التعدي علي ممتلكات المواطن و ماله و عرضه و حياته…من قبل الدعم السريع و استهداف المواطنين و الاعيان المدنية من قبل الجيش. .هي نتاج طبيعي للحرب و أن استمرارها سوف يفاقم من كل هذه التداعيات الكارثية علي الوطن و علي المواطن ..و يهدد في نهاية المطاف بيضة الوطن..
فلا مناص من ان يحتكم الكل الي صوت العقل.. فهم اليوم أمام مسؤولية امام الله و أمام التاريخ
فانتبهوا ايها السادة.. اتقوا الله في خلقه و اعملوا علي إطفاء هذا الحريق.

زر الذهاب إلى الأعلى