الكاتب المرموق، المحبوب عبد السلام، في مقدمة كتابه (الحركة الإسلامية.. دائرة الضوء وخيوط الظلام):
يصف ما حدث في العشرية الاولي من عھد الإنقاذ بأنه: “مسرحية من تأليف شيطان هازئ ساخر، مستدركا بالقول: نحن الذين صنعنا قدَرنا ومزَّقنا نسْجنا، ولم تهبط علينا شياطين من السماء، ولكنها شياطين من صنع أنفسنا”.
المھم أيا كان نوع الشياطين التي صنعت “الإنقاذ”، او تلك التي صنعتھا الحركة الاسلامية، التي صنعت “الإنقاذ” نفسھا، فالأمر سيان.
فمن سنن الله أن جعل بالطبع في الأرض ثقلين.. إنسٌ وجان، خرج من كليهما مخرجين.. مخرجٌ صالح، ومخرجٌ طالح.
مخرج صالح، هم “أولياء الله”، ومخرج طالح، هم “أولياء الشيطان”.
ذلك الشيطان الذي يتبادل هو واولياؤه الوحي، بعضا لبعض، يزخرفون القول غرورا، لينتج هذا التواصل الخبيث من بعد، زوجين من الشياطين.. نوع نسمعه، نراه ونكلمه، وصنف أخر من ورائه، يرانا ولا نراه.. هؤلاء “شياطين الإنس”، واولئك “شياطين الجن”.
المهم إنه كلما حل بأرضٍ أولياءُ الشيطان من الإنس، حلت بها كذلك شياطينُ الجنِ في وجودٍ متلازمٍ مُقترن، لا انفصام له بين شياطين تھبط من السماء، وأخري من صنع النفس كما تصور المحبوب مجازا، أو كما دبر وقدر في وقت سابق شخص اسمه “عمر احمد فضل الله” في مؤتمر للإستراتيجية، رسم خطي تحالف الثقلين علي ارض السودان.
ولذا تظل حقيقة الإقتران قائمة، إذ حيثما حلَّ بأرضٍ، الأفاكون، الآثمون، الكذابون، الخراصون، من الإنس.. حلت معهم شياطين الجن على تلك الأرض، نعلاً بنعلٍ، وكتفاً بكتف.. فقد قال تعالي: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ).
بل ولنحو ثلاثة عقود ونيف، ظل في ظني التحالف الشيطاني بين الإنس والجن، قائما ھنا بغلبته التي أدت لشيطنةِ أرض السودان ذاتھا، ومحقها، ونزع بركتها، وعلي جعلها مرتعا خالصا لھذا النوع من الشياطين.
والعكس صحيح أيضا.. فإن أي أرض يحلُ بها “أولياء الله” تحل بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون، الذين يجدون في مراتع وحلق الذكر مبتغاهم، أو أولئك المبشرون، المكلفون بنقل البشارات، الي عباد الله الصالحين، الذين تتولاهم الملائكة بأمرٍ من الله، في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، طبقا لقوله سبحانه وتعالي:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
وتبعا لإتساع دائرة وجود هؤلاء الذين قالوا بصدق ربنا الله ثم استقاموا، يتسع من ثَّم، نطاق تنزلات الملائكة، لتترحمن الأرض، بإستقامة المُقيمينَ، وبركةِ المُتنزلينَ.
ھذه العلاقة الجدلية المركبة بين الإنسان والشيطان والأرض، باتت الآن في وارد التبدل، بفعل جَرِ سلاسل الإمتحان الماثل.. إمتحان الحرب وتداعياتھا وآثارها، وما صاحبھا بالتزامن، من كوارث طبيعية، وصحية، ومجاعة، ستجبر ھي كلھا لا محالة غالب الناس ھنا الي كھف واحد لا ملجأ سواه.
فقد قال تعالى: “وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا”.
فان “سلاسل الامتحان” من شأنھا وفق سنن الله، أن تكون ھي السبيل الي الھداية، ولتنزل رحمات الخالق لخلقه ترونھا رأي عين، علي وعد آية قرآنية تقول: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.
في وقت ربما لا تنتطح عنزان حول أن أھل السودان قد إبتليوا فعلا في إختبار الصبر، بشيء من الخوف والجوع بأثر من ھذه الحرب اللعينة، بل وبنقص في الأموال، والأنفس، والثمرات، لا يخفي بالضرورة.
وبالتالي أتصور أن ھذه الحرب الكارثية التي لم يتبق كثيرا لكي يُسدلُ ستارھا اليوم أو غد، ستكون ھي آخر فصول مسرحية “الشيطان الھازيء الساخر” التي تطاول بھا الأمد.