اعمدة

د الصادق الهادي المهدي .. يكتب.. جولة جنيف والاحتفال بعيد الجيش السوداني !

 

 

 

 

    إحتفل الجيش السوداني بذكرى تأسيسه هذا العام والسودان وشعبه يواجهان تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية غير مسبوقة. ولعل اخطرها كارثة الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع منذ عام ونيف من داخل الدور المدنية والقرى ومن بين ازقة منازل المواطنين. وتزامنت ذكرى تأسيس الجيش السوداني مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى منصة تفاوض جديدة في جنيف. الجيش السوداني مثل أي جيش وطني في اي بلد ركيزة أساسية من ركائز الدولة المدنية الحديثة ، وبدون جيش وطني فليس ثمة دولة او بلد لانه سيكون عرضة للاطماع والتلاشي والاختفاء من الخرائط. ومن هنا تنبع اهمية مشروعية مساندة الجيش السوداني.
الجيش السوداني يندرج في الجيوش العسكرية منذ مملكة
كرمة ونبته ومروي ونوباتيا وعلوة والمغرة التي عرف جيشها برماة الحدق من دقة تصويبهم ومهاراتهم وقدراتهم العسكرية. ومثل ذلك حدث في السلطنة الزرقاء وسلطنة الفور والمسبعات وممالك نوبة الجبال فضلاً عن جيش المهدي الامام الذي قاتل الغزاة وحز رأس غردون وحرر السودان. وكنت قد شاركت فى احتفالات عيد الجيش في عام ٢٠١٩ وقد اقيم في كررى وذكرت هذه المعاني بان جيشنا تأسس منذ الالف السنين.
وﻓﻲ ذكرى تأسيس الجيش السوداني هذا العام ، نحيه قيادة وقاعدة ونحي بطولاته وبسالته وزوده عن الوطن والمواطن بالنفس والنفيس. ونحي أبطاله عبر التاريخ وحيثما وجدوا من قدير إلى شيكان وأبو طليح إلى كرن وكرري وأم دبيكرات والشكابة والنخيلة. ونحيي خاصة أولئك الذين استشهدوا فى سبيل الدفاع عن العقيدة والوطن والحد من سفك الدماء واغتصاب الحرائر واستباحة الحقوق والحريات. واولئك الذين لا يزالون يقاتلون فى الفاشر وبابنوسا والابيض وفي سنار والجزيرة والخرطوم وفي مختلف الجبهات ويدفعون الثمن أرواحاً من اجل عودة المواطنين إلى مدنهم ومنازلهم وقراهم ومزارعهم ودورهم آمنين مطمئنين. ونتضرع إلى الله أن يتقبل شهداء الجيش ويعافي مصابيه ويحفظ مقاتليه.
لقد تزامن احتفال الجيش بذكرى تأسيسه هذا العام ، إعلان منبر جنيف ولا شك أن شعبنا الذي أكتوى بالحرب وبأثارها ونيرانها يأمل في أي جولة سلام أن تجلب له إسكات البنادق ووقف الحرب وقيادة البلاد إلى السلام والاستقرار والإزدهار والتنمية.
ولكن مشكلة المبادرات الأمريكية سواء في جنيف أو غيرها إنها مكرسة في إتجاه واحد لا يرى ولا يسمع إلا صدى صوته ومنبر جنيف ليس استثناء فهو حتى الآن كرس لحالة الترقب والتوجس ويبدو وكأنه يكرس لمزيد من المنابر والمزيد من جولات التفاوض الدائرية التي رأينا مثالها في تجربة الأشقاء في ليبيا . إذ لزهاء عقد من الزمن لم تنعكس المبادرات سلاما ولا استقرارا على الأشقاء في ليبيا بقدر ما حققت عكس مقاصدها المعلنة اي تعميق الخلافات ورفع وتيرة التوتر السياسي والانقسام المجتمعي.

ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماهي أولوية الأولويات في السودان. إن أولوية الشعب السوداني تكمن في وقف العدائيات وإنهاء الحرب المدمرة وابتداع وسائل تضمن امتثال مليشيا الدعم السريع وتنفيذها لما يتم الاتفاق عليه (اتفاق جده). كما لا يمكن إغفال العدالة الانتقالية والاقتصاص للضحايا مثلما لا يمكن اغفال بند اعادة الإعمار واعادة النازحين إلى منازلهم وتعويضهم بما يوفر لهم سبل العيش الكريم. ان تعدد المنابر التفاوضية يمثل بما لا يدع مجالا للشك هروبا إلى الامام من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في منبر جده. ففي مايو ٢٠٢٣ تم الاتفاق على شروط بنصوص واضحة لا تقبل التاويل بضرورة الالتزام بأمن وحماية حقوق الانسان وحماية المرافق الخاصة والعامة واجلاء مليشيا الدعم السريع عن هذه الأعيان وعدم استخدامها للأغراض العسكرية ومعلوم أن الدعم السريع لم يذعن لتنفيذ مخرجات منبر جده اذ لا يزال يختبئ في منازل المواطنين وﻓﻲ المستشفيات العامة والخاصة وفي المؤسسات التي التزم بمغادرتها . ولهذا السؤال الملح اين موقع اتفاق جده من الإعراب في منصة جنيف. ولماذا استبدل منبر جده بجنيف بهذه الطريقة المسلوقة. هل صارت قضية الحرب في السودان كرت سياسي يستخدم في نبطشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية . وهل هي محاولة تعويضية عن الفشل في اطلاق سراح الأسرى الصهاينة ووقف مذابح الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. والأسئلة تترى حول مبررات وجود مراقبين جدد رفضتهم الحكومة السودانية ورفض وجودهم الشعب السوداني وايضا الاسئلة تطرح نفسها حول علاقة المنبر الجديد بمصير شكوى السودان في مجلس الأمن الدولي. وما إذا كان لمنبر جنيف صلة بغسل أيدي البعض من دماء الشعب السوداني وتبيض وجوه يصعب غسلها ولو اجتمعت مياه النيل بماء المحيط .
وعندما يطالع المرء في تصريحات وفد الحكومة السودانية الذي التقى مندوب الولايات المتحدة في جدة يصل إلى خلاصة مفادها أن هدف منصة جنيف ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد فضلاً عن افراغ منبر جده وخاصة بتجاوز ما تم الاتفاق عليه.
ان وقف الحرب والمناداة بالسلام يمثلان قناعة الشعب السوداني ويمثلان موقف الجيش السوداني وقد اكد على هذه المعاني كل بيان صدر عن القوى الوطنية الصادقة مثلما اكد عليها الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في خطابه بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش السوداني. والمشكلة ليس في التاكيد على رفض الحرب ووصفها بالمدمرة وانما تكمن المعضلة في أن وقف الحرب ليس حديثا يبث في الهواء اذ ينبغي أن لا تعني الاستسلام ولا تعني السماح للدعم السريع بالتقاط الأنفاس واعادة ترتيب صفوفه لاستئناف القتال من جديد كما حدث من قبل . ان وقف الحرب له استحقاقات وهي من الوضوح بحيث صارت محفوظة وتم التاكيد عليها في منبر جده وفي كل المفاوضات وفي جميع المبادرات التي اطلقتها الحكومة السودانية. نعم للسلام ونعم للاستقرار ولكن باستحقاقاتها وشروط الشعب الشعب السوداني الأبي الكريم..

زر الذهاب إلى الأعلى