سلمى الشيخ سعد .. تكتب.. سودانيات في النزوح !
كم هو مؤلم أن يكون الفرار من الموت أحد الخيارات التي يجد الإنسان نفسه مضطراً لاتخاذها بين ليلة وضحاها، ليصبح النزوح أو اللجوء بعيداً عن بيته ومنطقته وبلده هو الخيار الوحيد.
يا له من قرار قاسٍ ويا لها من حياة صعبة، أصبحت لكل واحدة منا الآن قصة وذكريات لا تمحى، سنتناقلها نحن السودانيات وأطفالنا، وتتحول إلى حكايات تحكي للأجيال القادمة.
قصه سودانية تحمل أولادها الأربعة، وملامحها تعكس الموت والرهق والخوف.
نعم، أصبحنا نعرف جيداً رائحة الموت عندما لا نجد خياراً سوى حمل أولادنا في طرف ثوبنا والخروج بهم إلى المجهول، تاركين وراءنا حصاد السنين والذكريات التي تعصر قلوبنا ألماً وحنيناً، لأننا لم نكن نملك خياراً آخر.
وعندما نصل إلى المنطقة الآمنة التي نعتقد أنها ستحمينا وأطفالنا، نصطدم بواقع النزوح أو اللجوء، ليزداد الوضع سوءاً. وإذا كانت منطقة الأمان هذه في أحد معسكرات النزوح أو اللجوء، نجد أنفسنا أمام قصص وحكايات لا تنتهي.
تحكي إحدى النازحات والعبرة تخنقها، والدمع متحجر في عينيها، وملامح وجهها شاحبة وكأن الدم شرد منها كما شرد منها إحساس الأمان والسكينة.
تقول: “نزحت بأولادي الأربعة إلى إحدى المناطق التي لم تصلها نيران الحرب بعد، وكنت وحدي معهم. فوجدت نفسي أسكن في أحد الفصول في مدرسة قديمة، جدران فصولها تحكي عن رحلة طويلة مع الزمن. كنت مع خمسة أسر أخرى في نفس الفصل. كنا قرابة الثلاثين شخصاً، لا تربطنا صلة قرابة، جمعنا النزوح والفرار من الموت إلى عالم المجهول.
لم يكن لدينا مصدر رزق ولا معيل يقدم لنا الدعم إلا بعض الإعانات الغذائية التي كانت تأتينا، ليست بصورة دائمة، من بعض الخيرين من أهل المنطقة وجمعياتها ومبادراتها الخيرية.
كانت بالكاد تسد جوع الصغار، فنشترك في لقيمات صغيرة، وفي كثير من الأحيان نتركها للصغار لعلها تكفيهم وجبة واحدة في اليوم.
وفي وسط هذه الظروف المعقدة، كنت أفكر طول الوقت متى نعود إلى ديارنا ونفيق من هذا الكابوس الذي عصف بأرواحنا وصغارنا وممتلكاتنا.
وعندما تمر الأيام، أجد نفسي مضطرة للتكيف والبحث عن مصدر رزق، حيث لا تتوفر فرص العمل في منطقة امتلأت بساكني المناطق المنكوبة.
لا أحب أن أسميهم بالنازحين، على الرغم من حقيقة المسمى، إلا أننا أصبحنا نستخدمه للتنمر على بعضنا البعض رغم قساوة هذه الأيام.”
تلك كانت قصة من وجدت سقفاً تحتمي به. هناك واقع أكثر مرارة لمن لم يجدن غير السماء سقفاً وافترشن الأرض لحفا، وأوراق الشجر غذاءً لهن ولأطفالهن، وترجلن على أرجلهن قاطعات المسافات الطويلة تحت لهيب الشمس بحثاً عن ملاذ آمن يحتمين به من الحرب.
علينا أن نتخيل حجم الفجيعة ومرارة الحرب وما قادنا إليه استمرارها.
حالياً، أصبح السودان كله منطقة غير آمنة. حتى تلك التي لم تطلها نيران الحرب أصبحت غير آمنة للجميع خوفاً من أن تصلها الحرب وتتمدد إليها، فيجد سكانها أنفسهم فجأة من ضحايا الصراع المسلح والتشريد القسري.
أما الذين نزحوا من قبل، فتتوالى إليهم الأوجاع ويتجرعون المرارة للمرة الثانية أو ربما الثالثة.
لطفاً بالسودان وأهله.