ليلة امس بينما هي ليلة مثلها ومثل كل ليالي حزننا وبؤسنا منذ اندلاع الحرب ، وصور القتل والدمار والخراب لا تفارق مخيلتنا مهما هربنا منها، فهي لوحات الدم والدموع التي تتحدد داخلنا حتى اصبحنا لا نرى في الوجود شيئا جميلا، ولكن قليلة من الايمان يجعلنا نستمد القوة من الذين يتمسكون بالامل ويصنعون الحياة ويحققون النجاح بل التفوق وسط الركام.. نعم اخترنا الجارة مصر ملجئا ومأمنا للاطفال من اهوال وطنهم وبحثا عن مستقبل بات مجهولا .. فعندما وصلت القاهرة فطفت اول ما طفت ليس بمسرح الاوبرا او منتجعات مصر السياحية او البنية التحتية المبهرة بل بالمدارس السودانية بالقاهرة فوجدت اغلبها يملكها ” تجار الحروب انفسهم ” والمستثمرين في التعليم طمعا وجشعا فتنتفخ جيبوبهم وينفخون في اوار الحرب لان في استمرارها مكسبا لهم فتحصلت على ارقام مزهلة وهي حوالي ” ٢٠٠” مدرسة سودانية ٩٠℅ تعمل بدون تصديق رسمي وبالتالي لا تلتزم بأدنى الاشتراطات ، والسلطات المصرية تغض الطرف عنهم لانهم يستعطفونها باطفالنا الفارين من الحرب ! ويا للاسف ٦٠℅ من الاطفال السودانيين الذين وصلوا مصر خارج التعليم وال٤٠℅ بعضهم ميسور الحال والبعض من المحظوظين الذين وجدوا رعاية من المنظمات التي تهتم بالتعليم، هذا ملمح بسيط من افرازات حرب ١٥ ابريل العبثية..
اما في ما يتعلق بموضوع عنوان المقال اعلاه اليوم عقب صلاة الجمعة وبينما اتطوف علي ال ( فيس بوك) وجدت عدد من الزملاء يرفع في صفحته خبر تفوق الطفلة النابغة ( رتاج) ابنة الصحفي الهندي عزالدين وخاصة بان التفوق جاء كما في الخبر ” الطالبة السودانية( رتاج الهندي عزالدين) الأولى في امتحانات Checkpoint على مستوى جمهورية مصر “. وبالتأكيد اي تفوق لاحد ابناء او بنات الوطن لشئ يسر البال ويبعث الامل بأننا ما زلنا عندنا اجيال ستحمل راية التفوق وعليه كل التهاني والتبريكات والاماني الصادقة ل ( رتاج) .. لكن سرعان ما طاف بخيالي الصورة القاتمة التي اقلقت مضجعي ليلة امس وهي.. بينما حاولت اخلد للنوم اذا ب( المدام) تيقظني مشفقة ( قوم هنالك اسرة سودانية في الشارع ووضعهم ما طبيعي ومن بينهم نساء واطفال وبالفعل وجدتهم من ٱخر الاسر التي وصلت من ولاية الجزيرة وقالت سيدة متوسطة العمر منهكة يلفها حزن دفين وهي تحكي مأساة وصولهم لمصر، وكيف ان والدتها اي جدة الاسرة فارقت الحياة وهي تعبر الصحراء والان هم في الشارع يبحثون عن شقة تناسب امكانياتهم فطلبت منهم يقاسمون شقتنا المتواضعة حتى ييسر الله امرهم فرفضوا في إباء بحجة انهم اسرة كبيرة ومعهم اطفال ويعرفون وضع الشقق ، فاحزنني عجزي وقلة حيلتي ووجدت نفسي لا املك الا اهتف باعلى صوتي ( اوقفوا الحرب) لا للحرب .. واردد اي كرامة تسعون لاستردادها يا هؤلاء؟!!
وأما علاقة ذلك بتفوق ( رتاج) نعم تلك اقدار الله وتقديره في الارزاق ان نرى اطفال يتنكبون الطرقات بحثا عن مأوى وٱخرين يسر الله لهم مخرجا.. بالطبع ليس من مسؤولية والد رتاج الصحفي المعروف الهندي عزالدين أن يهيئي لابناء النازحين واللاجئين ما هيئه ل رتاج، لكن عليه ان يعلم بأن رتاج لا يسرها أن تتفوق واقرانها وزملاء دراستها مشردون في مواقع اللجوء والنزوح وأن دعم استمرار الحرب هو هدم لمستقبل رتاج وإن تفوقت, وعليه لا طعم لنجاح ابناءنا وتفوقهم وسط استمرار هذه الحرب التي تهدد بفناء وطنهم الذي لا ملجأ غيره وإن طابت لنا المنافي، وأقل جميل نقدمه لابناءنا هو ان نرفع اصواتنا عالية حتى تطغى على اصوات امراء الحرب وإخمادها الى الأبد حتى ينعم ابناءنا بنجاحاتهم وتفوقهم في وطنهم..