وانا ادلف إلى صالة المغادرة في مطار القاهرة في مساء شديد البرودة ، تهزني رياحه كغصن غض لم يستطع إلا أن يستسلم لحركة الرياح الشتوية العنيدة في تلك الأيام من فبراير في كل عام تحجب فيه الغيوم سماء القاهرة فلا تستطيع أن ترى
لمعان النجوم أو ضوء القمر بل حتى انك لا تستطيع أن تستدعي ذلك المشهد الخلاب في تلك اللحظة المتسارعة من زمن الانتظار مابين رحلة قادمة واخرى مغادرة ، بينما أتشبث بمعطفي الصوفي خوفاً من تأثير الطقس المتمرد ، فلم أكن ادري ان ثمة مشهد آخر ينتظرني بالداخل أكثر تأثيراً على نفسي لدرجة البكاء ، ذلك الشاب العشريني الاسمر النحيل الذي كان يجلس أمامي مباشرة يبدو الألم على وجهه وبعض دموع ظلت حبيسة واخرى فضحت اصراره على إخفاء تألمه بينما ظل
ممسكا بقدمه اليمنى تارة يقف واخرى يجلس وأحياناً يحاول التمدد دون جدوى على ذلك المقعد الحديدي القاسي بصالة المغادرة ، ظللت أرصد تقلب مزاجه وحركته وملامحه الحزينة لحظتها ثم باغته بالسؤال عن حاله فعرفت أنه يعاني شللا في قدمة اليمنى بسبب خطأ طبي وان لا أحد معه هنا فلم يكن لديه خيار سوى ترك عمله البسيط في احد المصانع بالقاهرة
والعودة الى أهله في السودان لتلقي العلاج وما كان من صديقه سوى احضاره إلى المطار والمغادرة هكذا بكل بساطة ليحتمل مأساته بمفرده بينما تفر الدموع من عينيه خلسة ، هنا كان طاقم تاركو للطيران حاضرا وأحد الشباب المسافرين بعد أن أخبرتهم قصته
فأولوه اهتماماً كبيراً قبل بلوغه الطائرة واثناء الرحلة الى ان وصل مطار الخرطوم مطمئناً راضياً حيث افردوا له ثلاث مقاعد بدلا عن مقعد واحد في الطائرة وعملوا على منحة كافة سبل الراحة والاطمئنان شعرت وقتها وانا لست ببعيده عن مقعده أن السكينة استقرت في نفسه وعلت وجهه ابتسامة طفيفة افلحت في تغير ملامحه الحزينة تلك الى اخرى سعيدة كأنه يود أن يخبرني أن السودان لم يزل بخير بينما هززت أنا رأسي لتأكيد ذلك …
آمنة الفضل
صالة المغادرة
مطار القاهرة