ميثاقا “سلطة الشعب”، ميثاقين سطرتهما لجان المقاومة تحت دخان قنابل الغاز، وكتبتهما بمداد يخرج مع الأرواح من الشرايين المتفجرة، للتعبير عن روح أطول ثورة سودانية نفسا وعمرا، بل واوسعها على الاطلاق نطاقا، وتنوعا، وشمولا.
هي ثورة رمت بظلها الممتد الي كافة انحاء البلاد، مدنا وقري وأحياء.
المهم فقد شرعت أمس السبت تنسيقيات لجان المقاومة في ترتيبات لدمج “ميثاق تأسيس سلطة الشعب” و”الميثاق الثوري لسلطة الشعب” بغية الخروج بميثاق موحد ينشر على الملأ الاربعاء المقبل، اي قبل يوم واحد من الخروج الكبير، في مليونيات ذكري الثلاثين من يونيو، يوم “الزلزال العظيم”.
وبالطبع فان توقيع ميثاق سلطة الشعب المدمج، سيمثل بالضرورة نقلة نوعية كبيرة، لعمل لجان المقاومة، فضلا عن انه سيمهد السبيل لبناء تنظيم شبكي واسع وعريض، يتحرك في إطار هيكلي مرن، ليكون قادرا بالطبع، على انفاذ برنامج سياسي مشترك، يترجم شعار المرحلة، شعار المطالبة بحكم مدني خالص الي حقيقة وواقع.
وكما يعرف احد اهم المؤرخين في القرن الماضي “هايدن وايت” التاريخ بقوله: (ان التاريخ ليس مادة لفهم الماضي، بل للتحرر منه).
فإن ميثاق سلطة الشعب المرتقب، سيحرر كثيرا من العقول المتحجرة من ربقة الماضي، ليكتب تاريخا جديدا، الي مرحلة تختلف جذريا، في كل شيء، شكلا ومضمونا، واسلوبا.
بحسبان ان هذا الميثاق يعد أول وثيقة في تاريخنا المعاصر تنبع مباشرة من قاعدة جماهيرية شعبية، التقطت القفاز، بقبولها تحدي التصدي لمهمة كبيرة وخطيرة، درجت على الاتيان بها في العادة منظمات المجتمع المدني الحديث، من أحزاب ونقابات وخلافه.
وبالتالي فإن انجاز مثل هذه الوثيقة التاريخية من شأنه ان يتيح للجان المقاومة أحكام قبضتها تماما، على كافة مسارات الأحداث بالبلاد.
خاصة وان الصراع على السودان، وحوله.. ما زال صراعا مستمرا، وقصته مفتوحة الي يومنا هذا.
فنحن نعيش هنا والان، نوعا من التاريخ السائل الذي لم يتماسك بعد، والذي يمكن التعرض له بتحويل او تعطيل مجراه، أو تغيير مادته وشكله ولونه.
نعيش تاريخا من الحروب الأهلية المستمرة، والازمات البنيوية العميقة، فضلا عن صراعات المركز العبثية.
هذه الصراعات التي فجرت ثلاثة ثورات شعبية، امتلكت نخب المركز، وطبقته المخملية، القدرة على إجهاض أهدافها، والالتفاف عليها، لاعادة إنتاج ذات الأوضاع التي ثار الناس ضدها، لندور معصوبي العينين بلا تدبر او توقف كجمل “العصارة” أو ثور “الساقية” في حلقة مفرغة، تؤسس لدورة خبيثة أبت ان تندثر، او ان تنكسر.
وكأن تاريخنا كله ما صار، إلا بقية من ثورة معلقة، بثورة قد تأتي، أو لا تأتي.
لام.. الف
(النضج وصحة الفكر، وصواب الرأي.. أمور ليست خاصة بالكبار وحدهم، كبار السن، وكبار “العلم”.. فإن ما يكتبه الشباب بصدق ومعاناة، يكون في الغالب أقرب إلى كبد الحقيقة، مما يكتبه “الكبار” الذين كثيرا ما تشوش المداراة، والمراوغة، وكثرة الحسابات، والاعتبارات رؤيتهم، وتعقل ألسنتهم، وتعكر صفو فكرهم).
د. محمد عابد الجابري
حالتي
اشهد الا انتماء الان
الا انني في الآن لا