(حذر من عقد صفقة نخبوية رديئة أخرى، بقبول إقليمي، و طالب أمريكا بفرض عقوبات تستهدف الأفراد الذين يأمرون بالانتهاكات)
الخرطوم _ ترجمة – الديمقراطي _ ترياق نيوز
قال الباحث في مركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، كاميرون هدسون، الاثنين، إن السودان اليوم يقف على حافة الهاوية، لجهة أن الطريق الموعود للإصلاح تسده كلياً القوات الأمنية المصممة على ما تزعم أنه محاولة “لإنقاذ” البلاد من القادة المدنيين، لكنها تسل روح البلاد، فتخرجها منها.
و كان هدسون في مقال نشر بموقع المجلس الأطلسي يوم الاثنين الماضي، دعا المجتمع الدولي لتذكر أن ثورة السودان لم تقم أبداً لمجرد الإطاحة بديكتاتور أو تفكيك حزبه، و إنما كان الأمر يتعلق بتفكيك هياكل السلطة الفاسدة و العنصرية و الاستبدادية التي حكمت السودان منذ الاستقلال، قائلاً إن ملف صفقات النخب في السودان وجب طيه.
أضاف هدسون في مقال جديد بعنوان “زمان صفقات النخب في السودان وجب طيه”، أن السودان قبل عام كان يتفاوض على شروط حزمة إعفاء الديون المزمعة، و يقدم مقترحات لسبل استثمار أكثر من مليار دولار من المساعدات المالية الدولية الموعودة لدعم الديمقراطية، و أضاف: “في ذلك الوقت، كان العالم لا يزال يتحدث عن البلد كنموذج محتمل للآخرين ليتبعوه في المسيرة من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، و اليوم، البلد على حافة الهاوية”.
وأشار إلى أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر الذي ألغى بفعالية الانتقال المدني و أعاد إشعال الثورة الشعبية، ولج الاقتصاد ودوامة الموت، فالتضخم يرتفع لأكثر من (250%)، و انخفضت قيمة عملة البلاد مقابل الدولار، و ارتفعت أسعار السلع الأساسية المستوردة للسودان، مثل القمح و الوقود، بأكثر من (30%).
و تابع: “بعبارة أخرى، فإن رغيف الخبز الذي كان يكلف جنيهين سودانيين عندما تولى المدنيون منصبهم قبل عامين يكلف الآن أكثر من خمسين جنيهاً”.
و يتوقع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أنه إذا لم يحدث تغيير، فإن (40%) من سكان البلاد سيواجهون “انعدام الأمن الغذائي الحاد” في وقت لاحق من هذا العام، مما دفع المانحين للبدء في التخطيط لحالة طوارئ إنسانية جديدة في المناطق الحضرية في البلاد.
و أكد هدسون ان داعمي السودان يبحثون بشدة عن أي سبب وجيه لإعادة الإقراض و برامج الإعفاء من الديون للمساعدة في تجنب الانهيار المالي و الطوارئ الإنسانية المقبلين، و لكن الجيش لم يقدم لهم أي سبب لإبداء تساهل.
وزاد: “منذ انقلاب أكتوبر تم استهداف عشرات الشخصيات السياسية البارزة و قادة الاحتجاج بالإخفاء أو الاعتقال، في حين تم استهداف (93) متظاهراً مؤيداً للديمقراطية قتلوا على أيدي قوات الأمن التي تواصل استخدام حالة الطوارئ على الصعيد الوطني كمبرر لوحشيتها” بل ان الجنرال البرهان هدد بطرد المبعوث الأممي متهماً إياه بالكذب العلني لعدم ذكره التقدم بالبلاد.
و أوضح هدسون ان “سلسلة من الاجتماعات الأخيرة في القاهرة و الرياض و أبوظبي، تشير إلى أن أصدقاء السودان القدامى يفقدون صبرهم سريعاً مع حالة الجمود السياسي و الانهيار الاقتصادي الوشيك، و يبحثون عن وسيلة لتحقيق هبوط ناعم حتى لو كان ذلك على حساب تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية”.
و تابع: “بالنسبة للشركاء الخليجيين، الذين اشتروا في الخرطوم عقارات و ممتلكات تجارية بأسعار منخفضة للغاية في الأيام الأخيرة لنظام عمر البشير و منذ الإطاحة به، فإن تفكك السودان سيكون كارثة على استثماراتهم، و تخشى مصر التي لا تزال تعتبر السودان تابعاً لها، من نزوح جماعي للسودانيين شمالاً و فوضى سياسية على حدودها الجنوبية”.
و حذر من عقد صفقة نخبوية رديئة أخرى، بقبول إقليمي، تعيد البلاد من حافة الهاوية المالية، لكنها تطيح في الطريق بأي أمل في أن يؤدي الحراك السياسي من القاعدة للقمة لحكم مدني حقيقي و ديمقراطي.
و أكد أن توضيح أمريكا الشروط المطلوبة لاستئناف الإقراض و تجنب العقوبات، و التي تشكلها بالتشاور مع حلفائها الديمقراطيين في الشوارع، يمكن أن يساعد في تجنب اتفاقية نخب أخرى تؤخر الديمقراطية، كما يثبت أن واشنطن تعطي وزناً حقيقياً للإرادة الشعبية.
و أشار إلى أن مناقشة إنشاء مجلس جديد للأمن و الدفاع يضمن بقاء المصالح الأمنية بصورة قاطعة في أيدي الجيش، و يكون منفصلاً عن الوزارات التي يقودها المدنيون، من شأنه أن يعطي الجيش سلطة تنفيذية عليا.
كما من شأنه أن يمهد الطريق لإجراء انتخابات سريعة، يهيمن عليها الجيش و حلفاؤه السياسيون، و يوفر شرعية جديدة على مستوى سطحي لمصالح أمنية غير صحيحة، و لداعميها الأجانب.
و قال إن الخاسرين الوحيدين الحقيقيين بموجب هذه الصفقة، هم الـ (44) مليون سوداني الذين ليسوا في الجيش و لا مرتبطين بالنظام السابق، و الذين سوف يرون تطلعاتهم لمستقبل سلمي و ديمقراطي محطمة لمرة أخرى بالنفعية السياسية و الاستقرار الإقليمي.
و أكد أن الحركة السودانية المؤيدة للديمقراطية سترفض بشكل قاطع أية صفقة تمت هندستها بدعم خارجي، و لم تنتج عن عملية كانوا جزءاً منها بالكامل، مضيفاً: “الأوان لم يفت لمنع هذا السيناريو، لكن منعه يتطلب من الولايات المتحدة و شركائها إظهار التركيز الاستراتيجي على التغيير طويل الأجل، و العودة للمبادئ الأساسية التي تجعلها متوافقة و منساقة بصورة أكبر لشركاء واشنطن الحقيقيين: الشعب السوداني”.
و أشار إلى أن واشنطن تحتاج لتحسين رسالتها العامة في مواجهة الازدواجية السياسية للجيش، فلم يعد كافياً أن تقول إنها “في صف الثوار”، إن كانت كذلك، فعليها أن تشجب كل إساءة معاملة و موت يعاني منه النشطاء المؤيدون للديمقراطية على أيدي الأجهزة الأمنية، فضلاً عن المطالبة بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في ظل حكومة الانقلاب”.
و زاد: “لقد حان الوقت لأن تعيد الولايات المتحدة التوازن لطاولة المفاوضات عبر فرض عقوبات تستهدف الأفراد الذين يأمرون بالانتهاكات و يستفيدون من المأزق الحالي”. و قال إن الذين تولوا كبر المسؤولية عن تعطيل المرحلة الانتقالية و انتهاكات حقوق الإنسان، لم يتحملوا منذ الانقلاب العسكري أي عواقب مباشرة لأفعالهم.