بلغت ذكراك الاربعين “عمر النبوة ” حين أعلن رحيلك وفي ذاك اليوم وضعت حدا فاصلا في المواقف ، وكتبت عنوانا بارزا أصبح ” برزخا ” بين الوطنية والدعوة للحرية والديمقراطية ، وبين الخنوع والتمرق في مواطئ الدكتاتوريين والشموليين ، وأنصاف المواقف والمداهنة حينا ، والاستسلام حينا آخر..
سيدي الشريف حسين الهندي إنك لم تدع النبوة لتدعو الآخرين للإيمان بك ، ولم تقل إنك صوفيا أحد أقطاب الأرض ليتبتل الحيران في محرابك، كما لم تقل إنك البطل الخارق الذي يهزم جيوش الفرس والروم، بل كنت مواطنا سودانيا متواضعا ، لم تستدع نسبك لتزداد فخرا، ولم تتسلق منصبا لتطال جاها .. لكن قل لي ما الذي خلد ذكراك ؟ حتى بعد رحيلك أربعون عاما وكأن الطغاة يرتجفون من وقع أقدامك ! رغم إنك لم تكن باطشا أو سفاحا أو ملكا تحتكم إليه الخصوم . بل فقط لأنك صاحب مدرسة ذات منهج متفردا في الوطنية، متجردا من ال ” أنا ” وحب الذات .. واضعا شعارا للحرية والديمقراطية ظ لم تتجاوزه الأجيال يا ” أيقونة” كل الثورات في حياتك وبعد الممات ..
أني أصبحت زاهدا في الإحتفاء بذكراك ، وإن كان إحتفاء المحتفيين بك لا يزيد من قدرك شيئا ولا يتجاوز مبادئك ” قيد ” أنملة … لكن من الذين يحتفون بك إنهم المراءون الأفاكون أشباه الرجال حمالون الأوجه المتاجرون بمواقفك ، كم باعوا فيها واشتروا . . حتى أصبح يوم ذكراك موعدا لقرع ” جرس المزاد ” هذا يحمل صورك ، وذاك يهتف بأسمك ، وآخر يتغنى بمواقفك بصوت ” أجش” لأنه صوت ” كذوب” .. سيدي الشريف لن أحتفي بذكراك وسط قوم تحسبهم جمعا وقلوبهم شتى ، ويضعون مبادئك سلما ليتملقون كيانات ” نبتت ” على هامش أفكارك ، يحسبونها مخرجا ونراها مرقدا لرفاتهم ، لأنهم الأحياء الأموات وأنت الحقيقة الباقية ” الشهيد الحي ” ما دام الحياة هي العمل وليس التباكي على رأية ظلت صامدة أربعة عقود إكراما لك ، لم تستطع حملها أياديهم الراجفة …
سيتفرقون شذرا بعد يقضوا في يوم ذكراك ” وطرا ” لاشباع رغباتهم الذاتية ولا عزاء للوطن ولو تمزق إربا …
وكلما ظننا من بعد الإحتفاء بهذه الذكرى التي هي أسمى من أن يحتفي بها أمثال هؤلاء ، ولكننا كنا نظن إنها ستكون عبرة لمن يعتبر.. لنتفاجأ بأنهم كأنهم يقيمون مأتما لأنفسهم وهم أحياء … وأسمى ما يخرجون به أماني بوحدة جوفاء .. وسرعان ما تغيب السكرة وتغشاهم الحسرة على مجد أضاعوه .. ولا حيلة لهم إلا ” لطم الخدود وشق والجيوب” .. لذلك ..
إني زاهدا في الإحتفاء بذكراك ..عفوا سيدي …
عبدالباقي جبارة .
السبت ٩ يناير ٢٠٢١م بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الشريف حسين الهندي