هو واحد من الذين حفروا اسماءهم فى الصخر بعصامية منقطعة النظير ، لم تكن الارض مفروشة بالورد أمام الرجل الا انه رغم ذلك خطى خطوات وتجاوز عقبات حتى بات رقما لا يمكن تخطيه .. يكفى ان تقول دريج فالرجل لا يحتاج لتعريف وتقديم وسيرته العطرة تسبقه اينما توجه واتجه ، من الرعيل الاول من ابناء دارفور الذين حظوا بتعليم نظامى اوصله كلية غردون التذكارية لتكن لاحقا جامعة الخرطوم بكل هيبتها وزخمها حيث درس الاقتصاد وتخرج فى العام 1957م وقبلها درس الصغري والأولية بالفاشر والوسطي بالدويم (بخت الرضا) ثم مدرسة حنتوب الثانوية، ويرجع تاريخ ميلاده الى العام 1935 بقرية كرقولا التابعة لمركز زالنجى .
وبعيد تخرجه عمل بمصلحة الاحصاء وتدرج الى مدير عامً للإحصاء بالسودان وتلقى دراسات عليا فى جامعة ليستر بالمملكة المتحدة ، ولم يكن دريج ذاك الافندى الذى يركن للوظيفة فى زمن كانت الوظيفة غاية المنى وقمة الطموح عند البعض ، كانت للرجل رؤية أخرى فى ان يلعب دورا اكبر من الوظيفة وقادته ظروف عدة ليأسس مع آخرين من أبناء دارفور جبهة نهضة دارفور ليصبح رئيسها فى العام ١٩٦٤م ، وخاض غمار السياسة من اوسع ابوابها ليصبح نائبا برلمانيا عن دائرة قارسيلا فى العام 1965م ومن ثم وزيرا للعمل عن حزب الأمة وتقلد منصب زعيم المعارضة فى الجمعية التأسيسية فى عام 1968م ، وتتصاعد وتيرة الحياة السياسية بالسيد دريج ففى العام 1981م اصبح حاكما لاقليم دارفور ووقتها كان اقليما واحدا عاصمته الفاشر ووصولة لسدة حاكم دارفور حكاية أخرى نفرد لها حديثا آخر الا انها كانت ملحمة تاريخية ناضل لها وفيها ومن أجلها كل ابناء دارفور .
اضطر الراحل المقيم جعفر نميرى لتعيين دريج حاكما لاقليم دارفور ويبدوا انه كان بالفعل مضطرا او مجبرا فلم تدم العلاقة بين الرجلين طويلا فعندما حلت المجاعة عام 1984م وتأخرت حكومة النميرى فى اعلانها بل فلنقل رفضت الحكومة آنذاك فى اعلان ذلك حزم دريج متاعه وخرج من السودان واعلن المجاعة التى حلت بدارفور وقدم استقالته من منصبه كحاكم لاقليم دارفور وخاض من يومها غمار السياسة من باب آخر كمعارض لحكومة مايو حتى سقوطها ولكنه ظل فى منفاه الاختيارى وكان من الاوائل الذين عارضوا حكومة الانقاذ وظل ثابتا فى موقفه تجاهها وأسس مع آخرين التحالف الفيدرالي الديمقراطي الذي شارك في الكفاح الثوري المسلح ضد نظام الإنقاذ . تجدر الاشارة ان السيد دريج ساهم مساهمة كبيرة فى تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة ، وخلال فترة توليه منصب حاكم اقليم دارفور كانت للرجل بصمات لم يسبقه اليها أحد وحتى الذين جاءوا من بعده لم يتمكنوا من عمل اى اضافة على ما عمل هو فقد اهتم بالبنيات التحتية التى يحتاجها الاقليم فى المجالات التعليمية والصحية ويرجع اليه لعب الدور الكبير فى انشاء طريق نيالا كاس زالنجى لمسافة تزيد عن ال 200 كلم وسكان مدينة نيالا ان ينسوا فلن ينسوا ابدا كبرى مكة هذا الجسر الرابط بين جزئى المدينة الجنوبى والشمالى كلما استخدموه جيئة وذهابا خاصة فى فصل الخريف حينما يمتلأ وادى بيرلى ويفيض ويرجع للراحل المقيم دريج دور متعاظم فى انشاء وقيام اذاعة نيالا ومحطة كهرباء نيالا .
الراحل المقيم احمد ابراهيم دريج كان غيورا على اقليم دارفور وحمل قضيته منذ سنوات باكرة حتى جاء قيام جبهة نهضة دارفور وواصل الراحل فى حمل والدفع بقضية دارفور ولم تكن دارفور هى مبلغ اهتمامه فقط بل كانت للراحل نظرة كلية والنظر للسودان كوحدة وكوطن واحد ولذلك هو احد من حمل وشارك ومثّل القضية السودانية في المحافل المختلفة اقليميا ودوليا وفيها ابلى بلاءا حسنا وله محطات نضالية سيذكرها التاريخ ، ويعد من أوائل الذين وضعوا لبنات الكفاح الثوري المسلح بغرب السودان ومن أبرز المنادين بفيدرالية السودان .
اليوم ترجل الراحل بعد سنوات من البذل والعطاء والانجاز ، رجل معتد بنفسه ومنطقته ووطنه رافضا للضيم والاستبداد وكان سعيه وجهده قيام دولة القانون والدستور حيث يتساوى المواطنون فى الحقوق والواجبات ، هى القضية الكبرى التى ناضل من اجلها الراحل المقيم حتى تحققت اجزاء من ذلك بقيام ونجاح ثورة ديسمبر .. رحل عنا اليوم الراحل المقيم احمد ابراهيم دريج سجل حافل من النضال وحافل بالعطاء ، انه الرجل الذى حفر اسمه بأظافرة فى كل صخرة وحجر وجبل بدارفور الاقليم وامتد العطاء لسودان العز والكرامة الا رحم الله الراحل رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته والعزاء لاقليم دارفور واهله فى فقدهم الجلل والعزاء للسودان الوطن وقد ترجل احد قادته الافذاذ.