الباحثة الصينية ليو لي هوا في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سان يه سون في الصين مهتمة بالعلاقات الصينية السودانية.. ولديها مقال مهم جدا عن العلاقات الوطيدة بين الصين والسودان منذ قديم الأزل.. يسرنا أن ننشر هذا المقال في مبادرة نتمنى أن تنال القبول وتشجع الآخرين على الاهتمام بنشر وبث ما يتعلق لتوطيد عرى الصداقة بين البلدين الشقيقين.. وتحية وتقديرا لسعادة سفيرنا في الصين الدكتور جعفر كرار وهو أحد علمائنا في الصين ممن لهم دور كبير ومحمود في توثيق تلك الصداقة و الدفع بها إلى آفاق أرحب.
تعزيز الصداقة بين الصين والسودان
من خلال التعاون في مكافحة الوباء
الباحثة : ليو لي هوا ، قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سان يه سون
“لا يُعْرَفُ الصَّدِيقُ إلاَّ عِنْدَ الشّدَائِدِ”، مثل عربي نعرف منه أنه لا يمكنك أن تتبيّن أصدقاءك الحقيقيين إلا من خلال الشدائد. كما يشير المثل الشعبي الصيني إلى أنه “عندما يقع طرف واحد في مشكلة، فإن جميع الأطراف ستدعمه”. وعندما يواجه مكان ما صعوبات أو كوارث خاصة، فَسيمُدّ له الناس يد العون من كل أنحاء البلاد، ويقدمون الحب والمساعدة. هذه هي الروح الوطنية الراسخة لدى الأمة الصينية. ففي عام 2020، ظهر ذلك جليًا في اتّحاد الصين والسودان في مواجهة وباء كورونا المستجد، إذ تعاونتا وساعدتا بعضهما البعض حتى ظهر هذا التعاون بينهما كأنموذج يُحتذى.
إن السودان دولة قديمة لها حضارة عريقة وتاريخ طويل، والحضارة النوبية التي أوجدها أسلافها هي جزء هامّ من تاريخ الحضارة الإنسانية. والصين التي تقع في آسيا بلاد قديمة هي الأخرى، وتتمتع بالحضارة القديمة التي تُعَدُّ واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية في العالم وأطولها عمرًا. لكنّ الصين والسودان دولتين تفصل بينهما الجبال والأنهار، ويرجع تاريخ التبادل بينهما إلى أكثر من ألفي سنة على الأقلّ، واستمر التبادل بينهما خلال هذه المدة الطويلة على خير وجه. وازداد التفاهم المتبادل والتأثير المتبادل بين الجانبين في العصر الحالي. من الجدير بالذكر أن التبادلات الودية بين الشعبين قد فتحت صفحة جديدة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وخاصة بعد مؤتمر باندونغ وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسودان.
ولن ينسى الشعب الصيني أبداً مساهمة السودان في استعادة المقعد القانوني للصين في الأمم المتحدة، وقد حمل هو وأخوته الأفارقة الآخرون الصين إلى الأمم المتحدة، ولم ينسوا مبدأ “صين واحدة” الذي تلتزم به الحكومة السودانية باستمرار. ولن ينسى الشعب السوداني بطبيعة الحال أن الصين قدمت للشعب السوداني مساعدة اقتصادية كريمة وسخية، رغم أنّ الصين نفسها كانت ترزح تحت ظل ظروف صعبة للغاية. وما يجذربذكر أنّ المساعدة الاقتصادية التي قدمتها الصين دون أي شروط سياسية لعبت دورًا مهمًا في تنمية الاقتصاد السوداني في تلك الأعوام.
لقد بات جليًا أن 2020 هو عام استثنائي في تاريخ البشرية، فقد اجتاح وباء كورونا المستجد العالم بأسره، وتحملت الصين العبء مبكّرًا من جراء هذا الوباء، كما وقع السودان ضحية لهذه الكارثة هو الآخر.
أعرب السودانيون بمختلف مشاربهم عن تعازيهم ودعمهم وثقتهم غير المشروطة بالصين بعد تفشي الوباء في الصين في يناير من العام الحالي، وأعرب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ووزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبدالله عن ثقتهما الكاملة في أنّ الصين قادرة على التغلب على الفيروس والانتصار على الجائحة منذ بداية أيام المحنة، وقد أرسلت وزارة الخارجية والجمارك السودانية واتحاد الصداقة العربية الصينية رسائل إلى الصين للتأكيد على إيمانها الراسخ بأن الصين ستحقق انتصارًا كاملًا في مكافحة الوباء. ونشرت رابطة الطلاب السودانيين لدى الصين رسالة تعزية في الصحف للتعبير عن وقوفهم بحزم مع الشعب الصيني، وعلى إثر ذلك، أشادت الصين بحزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والتحالف الديمقراطي و”حركة العدل والمساواة” ومجلس الحزب السياسي الأفريقي ومجموعات سياسية أخرى. وهم يثق بأنّ الصين حكومة وشعبا تقاتل “الوباء” بفعالية وبطريقة منظمة وتأخذ وسائل الإعلام السودانية الرئيسية زمام المبادرة للإبلاغ عن تجربة الصين واستخدام البيانات الواقعية لإعلام الصين بشكل جدّي، فقامت الفرقة البهلوانية السودانية التي ترمز للصداقة الصينية السودانية بتقدم أداء خاص لتشجيع الصين في محاربة الفيروس، وقد كان الأداء مليئًا بالمودة والبركة للصين.
عندما تأكدت أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد في السودان، عاد عدد كبير من السودانيين الذين عملوا وعاشوا في دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية إلى بلادهم. وقد واجهت الحكومة السودانية ضغوطاً غير مسبوقة للوقاية من الوباء. وفي 17 مارس / آذار، أعلنت الحكومة السودانية حالة طوارئ صحية وطنية وأغلقت جميع الحدود عن طريق البحر والبر والجو للتعامل مع خطر الوباء. كان السفير الصيني في السودان ما شين مين قد نشر مقالًا يشكر فيه حكومة وشعب السودان على دعمهم للصين في حربها ضد وباء كورونا المستجد، وعبّر أيضًا عن ثقة الشعب الصيني والجانب السوداني في مواجهة خطر الوباء معًا.
مع ازدياد عدد الحالات المؤكدة في السودان بشكل تدريجي، أرسلت الصين فريقًا من الخبراء الطبيين إلى السودان لمساعدة السودان في مكافحة الوباء، فكانت الصين أول دولة ترسل فريقًا من الخبراء الطبيين إلى السودان لمكافحة الوباء. ومن الجدير بالذكر أن الفريق الصيني قّدم مساعدات طبية لوزارة الصحة، فضلا عن تدريب الأطباء على طرق الوقاية والسيطرة على المرض وكيفية التشخيص والعلاج، وتبادل خبراتهم في مجال مكافحة الأوبئة مع وزارة الصحة السودانية، مما دفع الجانب السوداني للإعراب عن امتنانه الكبير لمساعدة الصين حكومة وشعبا، وسيتذكر دائما صداقة الصين العميقة. وقد أكّد السفير الصيني لدى السودان ما شين مين على أنّ الدعم والمساعدة التي قدمتها كل من الصين والسودان لبعضهما منذ اندلاع الجائحة يدل على عمق الشراكة الاستراتيجية والمساعدة المتبادلة بين البلدين.
تتواصل قصة التعاون الصيني السوداني في مكافحة الوباء، ولا يسعها إلا أن تذكر الناس بكبير العلماء السودانيين الدكتور جعفر كرار أحمد حين قال في كتابه “العلاقات السودانية – الصينية (1956-2011)” أنّ التعاون السوداني – الصيني في القطاع الصحي ظل واحدا من أهم صيغ التعاون الناجحة بين البلدان وظل- على عكس الصيغ الأخرى – قريبا من الذهنية السودانية ويخدم كجسر تواصل إنساني راسخ بين شعبي البلدين.
ونثق بأن الصداقة بين السودان والصين ستتعزز بالتواصل من خلال التعاون في مكافحة الوباء وهاتين الدولتين القديمتين ستساهمان مساهمة كبيرة في بناء مجتمع البشرية المشترك.